تتقدّم قوات الحكومة اليمنية المدعومة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بخطى بطيئة ولكن منتظمة نحو المدن الرئيسة التي يسيطر عليها المتمردون في صنعاء والحديدة. ولصدّ هذا التقدم، يستخدم الحوثيون بشكلٍ متزايد العبوات الناسفة المتطوّرة والمضادة للدروع المزروعة على جوانب الطرق والمعروفة بالعبوات الناسفة الخارقة (EFPS)، وهي تكنولوجيا توفرها إيران عن طريق «حزب الله»، ونظراً إلى كثرة الأدلة حول هذه المسألة، على المجتمع الدولي فضح هذه الصلة وتقديم الدعم المناسب لإبطال فعالية هذه العبوات الناسفة الخارقة.
تهديد فعلي
كان الحوثيون، طوال حروبهم الست السابقة ضد الحكومة، يعتمدون بشكلٍ كبير على الألغام، إلّا أن الأجهزة هذه كانت بسيطة واعتمدت على صفائح الضغط لكي تنفجر، ولكن خلال السنوات الثلاث الماضية، دخل فجأة نوع مختلف من الذخائر إلى ترسانتهم، وهو العبوات الناسفة الخارقة التي تستخدم شحنةً متفجّرة لتشكيل «بطانة مقعّرة» من النحاس أو الصلب على شكل معدن منصهر عالي السرعة، يمكن أن تخترق أفضل المركبات المصفّحة في العالم. في العراق مثلاً، أدّت 1526 عبوة ناسفة خارقة إلى مقتل 196 جندياً أميركياً وجرح 861 آخرين بين نوفمبر 2005 وديسمبر 2011.وعندما ظهرت العبوات الناسفة الخارقة للمرة الأولى في اليمن، لم تكن نسخاً تجريبية طوّرها الحوثيون محلياً، بل منظومات أسلحة متكاملة محترفة منذ البداية. ووصف تقرير منظمة «بحوث التسلح أثناء النزاعات» (CAR) المتفجرات الناسفة الخارقة في اليمن بأنها تحمل كل صفات المصفوفات المتطورة التي قام «حزب الله» بنشرها لسنوات ومنحها للميليشيات العراقية بعد عام 2003. وفي هذا الإطار، يقوم الحوثيون بتغليف مصفوفات العبوات الناسفة الخارقة داخل لوح من الفلّين، وبعد ذلك يقومون بقولبتها وطلائها على شكل صخور. وتشمل هذه العبوات واحداً إلى ثلاثة رؤوس حربية، ومفتاحاً يقوم بالتحكم بها وتشغيلها لاسلكياً، حيث يعمل هذا المفتاح على تفجير العبوات الناسفة الخارقة عبر الأشعة تحت الحمراء السالبة عندما تدخل المركبة حقل جهاز الاستشعار، وهذا هو بالضبط التكوين الذي تستخدمه الشبكات المدعومة من إيران في لبنان والعراق وأفغانستان.وبالإضافة إلى هذا الدليل الظرفي القوي جداً حول النفوذ الإيراني، فلدى طهران سجل حافل بالتهرب من العقوبات المتعلقة بالأسلحة التي فرضتها الأمم المتحدة على الحوثيين. وفي 26 يناير، وجد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أن إيران «لم تتخذ التدابير اللازمة لمنع التوريد المباشر أو غير المباشر للصواريخ البالستية والطائرات من دون طيار أو بيعها أو نقلها» إلى الحوثيين.شبكة التهديد الإيرانية
رغم أن هذه النتائج وحدها كافية لاتخاذ إجراءات ملموسة، يذهب تقرير منظمة «بحوث التسلح أثناء النزاعات» إلى ما هو أبعد من الأدلة الظرفية البحتة هذه. إذ تتضمن العبوات الناسفة الخارقة التي اكتشفت في اليمن مكوناتٍ إلكترونية تشير إلى نقطة أصل مشتركة تربط الحوثيين، والمسلحين المدعومين من إيران في البحرين، وسفينة تهريب الأسلحة الإيرانية «جيهان 1»، التي تم اعتراضها قبالة شمال اليمن في يناير 2013 وهي محملة بشحنةٍ ضخمة من متفجرات إيرانية الصنع من طراز «C4 «، وصواريخ أرض-جو إيرانية الصنع، ومكونات العبوات الناسفة الخارقة.تداعيات على السياسة الأميركية
وكما أشرنا سابقاً، أدّت العبوات الناسفة الخارقة الإيرانية إلى مقتل كثير من الأميركيين في العراق، من دون احتساب الضحايا في صفوف القوات البريطانية وشركاء التحالف الآخرين. ومع ذلك، لم يتلاشَ التهديد بمجرّد انسحاب معظم القوات الأميركية عام 2011. ففي الأول من أكتوبر 2017، قُتل جندي أميركي آخر عندما قامت ميليشيا عراقية مدعومة من إيران بزرع عبوة ناسفة خارقة بالقرب من تكريت. وظهرت هذه العبوات الناسفة الخارقة أيضاً في البحرين والسعودية، وهي تهدّد الآن بقتل حلفاء الولايات المتحدة في الجيوش اليمنية والخليجية التي تسعى إلى إعادة تنصيب الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة في العاصمة. ويمكن لهذه الأسلحة أن تمدّد الحرب والمعاناة الإنسانية المرتبطة بها، وبالتالي فإنّ الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية أمر بالغ الأهمية.على واشنطن وبريطانيا وشركاء آخرين أولاً، نشر اختصاصيين في اليمن لتقييم تهديدات العبوات الناسفة الخارقة وغيرها من الأجهزة المتفجّرة المرتجلة والألغام الأرضية، ويجب تقديم دورات سريعة الأثر للضباط والمهندسين العسكريين اليمنيين والسعوديين والإماراتيين خاصة بالتوعية حول السلامة وتحليل النمط للأجهزة المتفجّرة المرتجلة (IED) والألغام - وهي قدرات مفقودة بالكامل تقريباً في الوقت الحاضر. ثانياً، تحتاج القوات المسلّحة اليمنية والسعودية والإماراتية إلى التعجيل بنشر التكنولوجيا الأميركية المضادة للأجهزة الناسفة المرتجلة، فبعد الحملات العسكرية الضخمة في العراق، تملك الولايات المتحدة الكثير من المعدات المضادة للأجهزة الناسفة المرتجلة ذات التقنية المنخفضة التي يمكن توفيرها بسرعة وبكلفة منخفضة أو بدون تكلفة. ثالثاً، يتعين على الولايات المتحدة والأمم المتحدة ضمان حصول القوات اليمنية والخليجية على جميع البيانات التي تحتاج إليها للقضاء على العبوات الناسفة وإثبات مصدر التكنولوجيا الخاصة بها. وهذا يعني تدريب مهندسيهم على توثيق استخبارات الأسلحة وتأمين بيانات التحليل الجنائي من الذخائر الناسفة التي تُزرع على جوانب الطرق والتي تم ضبطها. وأخيراً، يتعيّن على الحكومة اليمنية وشركائها تبادل أي معلومات استخبارية ذات صلة يحصلون عليها وخاصّة بالعبوات الناسفة المرتجلة واستيراد مكوّناتها. وحين تم اعتراض ثلاثة قوارب مليئة بالأسلحة قبالة سواحل اليمن في فبراير-مارس 2016، سارعت أستراليا وفرنسا إلى إصدار التفاصيل الكاملة الخاصة بالأسلحة المضبوطة على متن اثنين من القوارب، إلّا أن الولايات المتحدة استمرّت بحجب النتائج التي توصّلت إليها. وقد أدّى إطلاق واشنطن الجزئي للبيانات من المضبوطات الأخرى إلى السماح للسلطات بربط الأسلحة التي وُجدت في اليمن بإيران، لذا سيؤدّي حجب مثل هذه المعلومات إلى إعاقة القضية ضد انتشار السلاح الإيراني.يحتاج تحالف دول الخليج أيضاً إلى منح الأمم المتحدة نفاذاً أسرع وأكثر اكتمالاً إلى الأدلة، يشمل الحاسوب الذي تم ضبطه في القارب المتفجر «شارك 33». ولعلّ الأهم من ذلك، أنه ينبغي على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تطالب بالوصول إلى المعلومات المفصّلة عن الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها على سفينة «جيهان 1» في عام 2013، والتي قد تكون ضروريةً لتتبّع الأسلحة ومكوّنات الأجهزة المتفجرة الارتجالية إلى طهران. وتحمل جميع الأطراف الفاعلة في هذا الصراع أجزاءً من اللغز، لذا يجب على الولايات المتحدة أن تبذل المزيد من الجهود لجمعها معاً لتسليط الضوء على النطاق الكامل لتهريب الأسلحة الإيرانية. مايكل نايتس- واشنطن إنستيتوت