كثيرة هي الحدائق التي دخلت التاريخ، لما تميزت به من أعاجيب تخلب ألباب مشاهديها، وأكثرها شهرةً حدائق بابل؛ التي يتحدث عنها التاريخ كواحدة من العجائب النادرة، وهناك حدائق أخرى ارتبطت بقصور أباطرة وملوك وأمراء وأثرياء جاء ذكرها في كتب التاريخ منذ قرون وقرون.***
• لكن الحديقة التي أثارت إعجابي بشكل منقطع النظير لم تُنشأ لأيٍّ من الأباطرة، أو نظرائهم، بل أُنشئت للشعب، تحت عنوان نبيل: "حديقة الشهيد"... وأشرف على تصميمها وإنشائها الديوان الأميري في الكويت.• كان صديقي الإعلامي يوسف الجاسم مسترسلاً يحدثني، ونحن نسير فيها، عن هندستها المعمارية والأشجار التي جيء بها من كل القارات، واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة؛ من سلالم كهربائية ونوافير مياه ملونة وتماثيل رخام فنية على امتداد الحديقة... وبينما أنا أنظر لرواد هذه الحديقة الرائعة، والتي تحتل مكاناً استراتيجياً وسط العاصمة الكويت، وهم يمارسون رياضة الجري والمشي، سرح بي الخيال إلى قرون ما قبل الميلاد، حيث كان الفيلسوف سقراط في العصور الإغريقية يلتقي تلامذته في الحدائق وبين هياكل أزقة المعابد، ولما حُكم عليه بالموت بتهمة إفساد عقول الشباب أخذ تلميذه أفلاطون يلتقي بحواريه في صالون تابع لقصره، لكن تلميذ أفلاطون أرسطو -المعلم الأول- كان له صديق اسمه أكاديميوس، الذي اشتُقت من اسمه كلمة أكاديمية... أكاديميوس هذا كانت عنده حديقة كبيرة، سمح لصديقه أرسطو مع تلامذته أن يمشوا فيها ويتناقشوا في الكثير من القضايا الفلسفية والعلمية، أثناء مشيهم في الحديقة، فسُميت مدرسة المشائين.***• فطلبت من صديقي يوسف الجاسم أن يتصل بصديقي محمد السنعوسي والصديق د. محمد عبدالجادر وغيرهما من الأصدقاء، لنعيد تاريخ مدرسة المشائين، فنظر إلي يوسف الجاسم نظرة استنكار ساخرة، وقال:• يعني ماذا تريد حضرتك من هؤلاء الأصدقاء؟- نمشي معاً في هذه الحديقة الرائعة.• ونتناقش؟- ولم لا؟• يعني حضرتك بتصير علينا سقراط والسنعوسي أفلاطون وأنا أرسطو؟- يا أبو خالد، هم كانوا في ذلك العصر يتخذون من الحدائق الجميلة وسيلة للبحث في الكثير من القضايا أثناء المشي فيها، فلماذا لا نفعل مثلهم؟• دكتور نجم! احتفظ بسقراطك وأفلاطونك وأرسطوك، ودعنا في كويتنا نناقش قضايانا في الديوانيات المفتوحة على مصاريعها لكل المناقشات يومياً.- ولكن لماذا لا تضربون عصفورين بحجر؟ المشي لتنشيط الجسم، والنقاش لتنشيط الذهن.• دكتور نجم، أنت أنهيت إجراءات جواز سفرك الإلكتروني؟- نعم...• لا شك أن عندك من يمشون معك في حديقة الهايد بارك في لندن وتتناقش معهم مثلما تريد!احنا في الكويت عندنا اكتفاء ذاتي في الكلام، وحديقتنا للمشي، لا للنقاش والثرثرة.
أخر كلام
حديقة الحدائق... في الكويت!
31-03-2018