لقد اجتاز الرئيس السيسي معركة الانتخابات الرئاسية بنجاح؛ ليس لأنه اكتسح المرشح المؤيد له موسى مصطفى موسى، ولا لأن الساحة خلت تماماً من وجود أي منافس معتبر يمكن أن يهدد حظوظه، ولكن لأنه ربح المعركة ضد الغياب... غياب المصوتين عن الذهاب إلى الصناديق.كانت معركة السيسي الحقيقية ضد الغياب لا ضد منافس طامح إلى شغل المقعد الرئاسي؛ إذ كيف يمكنك إقناع الجمهور المؤيد بالذهاب إلى الصناديق للتصويت لك إذا كنت وحدك في الميدان؟
ومع ذلك، فقد ذهب مؤيدون بالفعل لأنهم يعتقدون أن السيسي "صاحب الإنجازات" الذي أنقذ البلاد من مصير سورية وليبيا واليمن، وأطاح حكم "الإخوان"، الذين أرادوا العبث بهوية البلد وتغييرها.وفق ما أعلنته وسائل الإعلام المحلية، فقد أدلى نحو 25 مليون ناخب بأصواتهم من إجمالي نحو 60 مليوناً مسجلين، بنسبة تقارب 42%، ووفق ما أمكن للمتابعين المستقلين رؤيته ومعاينته في اللجان الانتخابية بطول البلاد وعرضها، فقد ذهب مصوتون، وشوهدت طوابير، وصدحت الأغاني، ورقص المؤيدون، وعلقوا صور الرئيس، وهتفوا له، واشتعلت وسائط التواصل الاجتماعي بصور وتعليقات، لم يغب عنها المناصرون أبداً، وربحوا الكثير من منازلاتها.وكما جرى في سنوات الولاية الأربع الأولى، يبدو السيسي في مقتبل ولاية جديدة من أربع سنوات أخرى، لا ينازعه أحد في شرعيته، ولا يشكك أحد في وجود قاعدة مؤيدين واسعة له، والأهم من ذلك أن المؤسسات المهمة في البلاد كلها تجمع عليه بإصرار.تلك كانت الأخبار الجيدة بالنسبة إلى الرئيس ومؤيديه، لكن ثمة بعض الأخبار الأخرى، التي تتعلق بجملة من التحديات الكبيرة التي يجب أن يواجهها الرئيس، وهي تحديات سترسم صورة الولاية الجديدة، وستحدد مسارها.على عكس ما يعتقد كثيرون، فإن التحدي الإرهابي الذي يواجهه الرئيس ليس أسوأ التحديات أو أكثرها تعقيداً، ويجب ألا نقلل من خطورة التحدي الإرهابي الذي تواجهه البلاد في شمال سيناء، والذي يمتد في أحيان كثيرة، وعلى فترات متباعدة، ليضرب في الوادي أو في الصحراء الغربية.وعشية الانتخابات، عاد الإرهاب ليُذكر بوجوده، حين استهدفت عبوة ناسفة، زرعت تحت سيارة، موكباً لمدير أمن محافظة الإسكندرية، شمال البلاد، مما أدى إلى مقتل شرطيين، وإصابة عدد آخر من الجنود.ومع ذلك، فإن العملية الشاملة التي تخوضها القوات المسلحة في سيناء تبلي بلاء حسناً في تعقب الإرهابيين وتدمير أوكارهم، وكما تشير بيانات المتحدث العسكري، ووسائل الإعلام المحلية، فإن تلك العملية التي تتسم بقدر كبير من الجاهزية تواصل عملها باقتدار في تحجيم هذا التحدي الإرهابي.لا يبدو الإرهاب قادراً على رهن إرادة الدولة، أو تأطير إيقاع عمل المؤسسات، أو إخافة الجمهور، أو تعطيل ورشة العمل الوطنية التي تتجلى في مشروعات تنموية تتوالى بوتيرة متسارعة، وإن كانت تركز على مجال التنمية المعمارية وإنشاء الطرق.يحظى السيسي بإجماع وطني بين قطاعات الجمهور والمؤسسات المختلفة في معركة الإرهاب، وهو من خلال هذا الإجماع، وبسبب القدرة والجاهزية العالية للقوات النظامية، سيكون قادراً على حسم هذا التحدي، وتحجيم الخطر الإرهابي، ووضعه في حده الأدنى في فترة قليلة.لكن التحدي الصعب حقيقة يتمثل بالحالة الاقتصادية؛ فبعد سبع سنوات من الانتفاضة الأولى في يناير 2011، ما زالت الدولة تدفع أثمان الانفلات والاضطراب الأمني والمجتمعي الخطير المترتب على تلك الانتفاضة، والانتفاضة التي تلتها في 30 يونيو 2013.لقد أقدم الرئيس على قرارات اقتصادية خطيرة؛ مثل تعويم سعر العملة الوطنية، الذي أفقدها أكثر من نصف قيمتها، ورفع أسعار السلع الأساسية، وفرض المزيد من الضرائب، لمواجهة الاحتياجات الاقتصادية المتصاعدة، ومحاربة العجز المالي.بسبب تلك القرارت تأثرت شعبية الرئيس بكل تأكيد، ورغم أن رؤساء سبقوه لم يكن باستطاعتهم اتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة خوفاً على شعبيتهم، واتقاء للاحتجاجات والانتفاضات، فإنه أقدم على هذه القرارات بشجاعة تحسب له.استقبل الجمهور هذه القرارات الصعبة بتفهم واضح، ورغم معاناة الطبقات الأكثر احتياجاً، فيبدو أن القطاعات الغالبة قبلت هذه السياسات، باعتبار أنها دواء مر يجب تجرعه لكي تخرج البلاد من عثرتها.لكن ارتفاعات جديدة في الأسعار، أو فرض ضرائب إضافية سيكون تحدياً ضخماً في مواجهة الرئيس؛ إذ يصعب جداً أن يتقبل الجمهور المزيد من الضغط، وهو أمر سيتطلب سياسات حكيمة، ورسائل اتصالية فعالة، وجهد كبير، لإبقاء الجمهور متقبلاً لضغوط جديدة.ما زال كثير من المصريين يجهلون الطريقة التي ستتعامل بها الدولة مع تحدي المياه، خصوصاً أن إثيوبيا لا تبدو عازمة على التجاوب مع المطالب المصرية التي تريد ضمان ألا تتأثر حصة البلاد من المياه بعد تشغيل سد النهضة.تكمن خطورة التحدي الذي يفرضه إنشاء سد النهضة الإثيوبي في أنه يمس حياة المصريين نفسها، وأنه يهدد حصتهم التاريخية من المياه، التي لم تعد تكفيهم بعد الزيادة الكبيرة في أعداد السكان، والتوسع الزراعي والعمراني.يواجه الرئيس في ولايته المقبلة تحدياً خطيراً أيضاً يتعلق بملف الحريات وحقوق الإنسان؛ إذ تستهدف مصر مجموعة من السياسات والإجراءات والدول والمنظمات، التي ترى أن المجال العام في البلاد مغلق، وأن ثمة انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات، وهو أمر يبدو أكثر صعوبة بسبب استمرار التحدي الإرهابي، الذي يفرض على السلطات اتخاذ قرارات معينة، يعتقد البعض في المجتمع الدولي أنها تكرس انتهاكات لحقوق الإنسان.كل هذه التحديات تبدو صعبة، لكنها ليست مستحيلة، وسيكون بمقدور الرئيس أن يتخطاها، طالما أنه يحظى بهذا التوافق النادر بين المؤسسات المهمة والقطاعات الغالبة في الجمهور، لكن المعركة الخطيرة التي تنتظره تتعلق بقدرته على الوفاء بالاستحقاق الدستوري الذي ينص على مدتين رئاسيتين فقط، خصوصاً أن بعض الموالين وغلاة المؤيدين طرحوا فكرة تغيير الدستور غداة انتهاء الاستحقاق الانتخابي.ستكون معركة السيسي الأهم في مواجهة ما يطرحه هؤلاء، والأيام المقبلة ستكشف إذا ما كان سيحافظ على أهم مكتسبات انتفاضة يناير، أم أنه سيعيد إنتاج الأوضاع السابقة.* كاتب مصري
مقالات
معارك السيسي المقبلة
01-04-2018