بالأمس القريب، يوم الجمعة الفائت، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 15 مواطناً فلسطينياً، وأصابت أكثر من ألف آخرين، منهم كثير من الأطفال. كانوا قد انتظموا حينها في تظاهرات سلمية على بعد مئات الأمتار من الشريط الحدودي، بمسيرة "العودة الكبرى" للدعوة إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة، التي أصبحت شكلاً بلا مضمون.ما حدث كان قتلاً بلا حدود، قوة مفرطة لا مبرر لها، إلا خوف القوي من الضعيف، حكاية مكررة على أي حال، قوة غاشمة مثخنة بالسلاح، أمام بشر يمارسون طقوساً حقوقية سلمية، هكذا يخاف القوي من الضعيف، فيمنعه من التعبير بضعفه، فيقتله.
ربما سيأتي اليوم، وقد آن أوانه، الذي يؤسس فيه القتلى منظمة تدافع عن حقوقهم في القتل الكريم، ربما نطلق عليها اسم منظمة "قتلى بلا حدود"، فقتل الأبرياء العزّل صار هو السائد، وهو القاعدة، أما الاستثناء فهو القتل الرحيم، ليس في فلسطين فحسب، بل في كل أرجاء منطقتنا الموبوءة بالدم المغموس بالطين المشبع بالألم والأنين. زمن الكوليرا السياسية أصبح مسيطراً وفاقعاً لونه، لدرجة تعمي البصائر قبل الأبصار. تحدق السماء لترى طائرة هندية تعبر الأجواء مباشرة إلى تلك البلاد التي مازالت تسعى إلى التوازن، فلم يعد للعقل ميزان، دع عنك الضمير الإنساني، دع عنك حتى اقتتال الفلسطينيين أنفسهم، وهم لايزالون يتحدثون عن القضية، فعن أي قضية يتحدثون؟في زمن الكوليرا العابرة للقارات، لم تعد فلسطين أولوية، فالقتلى في كل مكان، بلا حدود، والناس لم تعد مهتمة، واللاجئون في العالم فاق عددهم ٦٠ مليوناً، ولم يعد الأمر مهماً، فالكوليرا السياسية صارت شعار المرحلة في كل مكان.بعد شهر ونصف تقريباً، تحل علينا ذكرى النكبة، وللتذكير فقط هي ذكرى اغتصاب فلسطين، وتشريد 70 في المئة من أهلها. سبعون عاماً مضت والأمة العربية مازالت تبحث عن مخدة توسد رأسها عليها لتنام دون خوف أو وجل من غد فيه خراب وتدمير وسؤال عن زمن الكوليرا، من هو المسؤول؟ وهل صار ذلك مهماً؟ في ١٥ مايو ١٩٤٨ أُسست إسرائيل اغتصاباً، وفي ١٠ ديسمبر ١٩٤٨ صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. جاء ميثاق الأمم المتحدة والإعلان تفاعلاً مع الإبادة الجماعية التي مورست خلال حرب عالمية دامية راح ضحيتها ملايين المدنيين، وكان اليهود من الأكثر تضرراً، ودار الزمن ليصبحوا الأكثر ضرراً، فمن هو الضحية ومن هو الجلاد؟ إنه زمن الكوليرا. ومضة: موقف الكويت الخارجي الداعم لفلسطين يستحق التقدير في هذا الزمن بالذات، كما يستحق سفير الكويت في الأمم المتحدة منصور العتيبي الإشادة، وهي إشادة أبلغني بها أصدقاء أجانب يعملون في المنظمة الدولية.قدمت الكويت مشروع بيان صحافي حول أحداث غزة الأخيرة، وهو في العرف الدولي "أضعف الإيمان" و"متوازن" جداً، أخذاً في الاعتبار اختلافات وجهات النظر، ومع ذلك رفضته الولايات المتحدة.الظريف في الأمر أن وكالة الأنباء الكويتية (كونا) أوردت الخبر، ولكنها قالت إن البيان، وليتها ما قالت، "تم الاعتراض عليه من قبل أحد الأعضاء"، من دون ذكر اسم الدولة المعترضة، فما هي تلك الدولة يا ترى؟ هل هي بوتسوانا مثلاً؟!
أخر كلام
عن فلسطين في زمن الكوليرا
02-04-2018