صانع الحكايات
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
علمني أن أبتعد عن الحقيقة، لأنها ساذجة وسطحية ولا معنى لها، فهي ليست سوى حقيقة لا ابتكار فيها ولا خيال. حين سألته عن والده الذي لم أره، قال لي إنه أيضا لم يره، وكانت تلك حقيقة سطحية وساذجة قد تتكرر لمئات الآلاف من الأبناء الذي وُلدوا لآباء لم يروهم. كان الإبداع وهو يسرد لي حكاية موته. في سنة ما قص عليَّ مغامرة غريبة عن معركة عام 1920 بين قبيلته وجيش غازٍ من الجنوب، وأن والده قاتل في مقدمة الجيش، وكان أول من ضحَّى بحياته. لكن الحكاية التي رواها لم تثبت طويلا، فنسيتها، ونسيها هو أيضا. بعد سنوات من تلك الحكاية سألته السؤال نفسه، فسرد لي حكاية الطاعون الذي فتك بالبشر، فآثر والده أن تنجو الأم بجنينها ويموت هو نيابة عنهم. وكانت ميزته أنه لا يسمح لك أن تسأل سؤالا آخر. وفي آخر مرة كان ينكر أنه تحدث أصلا عن والده الذي مات غريبا في الصحراء دون أن يدفنه أحد، ولا يعرفون سبب موته، وترددت أقاويل ان ذئبا حفر تحت رأسه وانقض عليه، وأخرى تقول إنه مات من لدغة أفعى. توقفت عن السؤال، وتوقف هو عن الإجابات التي يخترعها.حدثني مرَّة عن أحد أعمامه الذي مات ثلاث مرات، وفي كل مرة يذهبون به للمقبرة يصحو بمنتصف الطريق، وفي الرابعة اضطروا إلى أن يدفنوه قريبا من البيت، كي لا يصحو مرة أخرى. لكن الحقيقة الساذجة أن والده كان يتيما أنجب يتيما وليس له اخوة. لقد أخذت كثيرا عنك يا أبي، ووزعته في رواياتي، ولم أتمكن من كتابتك كاملا كما أنت فاعذرني. أعرف أنك تريد مني الآن أن أقول لك الحقيقة العارية والتافهة، وتعرف أنني لن أقول لك إلا عكسها، كي لا تكرهنا وتموت فعلا.