تشكّل الحالات الصحية المرتبطة بالغذاء اليوم مصدر قلق عالمي كبيراً. وتتصدّر السمنة والداء السكري لائحة هذه الحالات. تزيد هاتان الحالتان خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، التي تشكّل أحد أبرز أسباب الوفاة حول العالم.

لما كان النظام الغذائي يؤدي دوراً بالغ الأهمية في الإصابة بحالات تؤثر في صحة القلب، فقرر الباحثون الغوص في هذه المسألة. يتسابق الباحثون اليوم إلى تحديد تدخلات غذائية بسيطة قد تسهم في تفادي السمنة والداء السكري، ووقف تقدمهما، وفي عالم مثالي عكسهما.

Ad

تشمل الأطعمة التي أدت إلى نتائج واعدة الجوزيات عموماً. تحتوي هذه الأطعمة الصحية الغنية بالمواد المغذية على دهون "جيدة”، وأحماض أوميغا-3 الدهنية، ومجموعة كاملة من المواد المغذية الصغرية.

كشفت مراجعة واسعة نُشرت عام 2016 أن «ارتفاع استهلاك الجوزيات يرتبط بتراجع خطر الأمراض القلبية الوعائية، والسرطان عموماً، والوفاة جراء شتى الأسباب، والوفاة جراء مرض تنفسي، والداء السكري، وعدوى».

لا شك في أن هذه النتائج مذهلة. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الفضل قد لا يعود إلى الجوزيات وحدها. على سبيل المثال، قد يتمتع الإنسان الذي يتناول الجوزيات بانتظام بميل مسبق على الأرجح إلى استهلاك معدلات أكبر من الأطعمة الطبيعية والطازجة عموماً.

في المقابل، قد يميل مَن لا يتناول الجوزيات إلى استهلاك أيضاً كميات أصغر من الأطعمة الطازجة. وهنا تكمن مشكلة دراسة تأثير صنف واحد من أصناف الطعام في الناس: كل إنسان مختلف وله عادات غذائية مختلفة.

من الصعب فصل نوع من الأطعمة عن الصورة الكاملة. ولا مفر من الإقرار بذلك. لكن دراسات كثيرة تُظهر الفوائد الكبيرة التي تقدمها أنظمة غذائية تحتوي على الجوزيات. إليك مثلاً آخر: استخلصت دراسة ارتكزت على البيانات الغذائية لأكثر من مئة ألف شخص:

«تبين أن أكبر استهلاك للجوزيات عموماً أو لأنواع محددة منها يرتبط عكسياً بالأمراض القلبية الوعائية وداء القلب التاجي».

وهكذا، بعد كثير من التجارب، بات من المثبت اليوم أن استهلاك الجوزيات باعتدال يشكّل إضافة مرحباً بها إلى النظام الغذائي المتوازن.

التركيز على جوز البقان

قيّمت الدراسات عدداً من أنواع الجوزيات كل منها على حدة بغية تحديد فوائدها الصحية. وركّزت الدراسة الأحدث في هذا المجال، التي نُشرت أخيراً في مجلة "المواد المغذية”، على فوائد جوز البقان للصحة القلبية الوعائية.

أجرى هذا البحث الجديد جان ماير من مركز البحوث الغذائية الإنسانية حول الشيخوخة التابع لوزارة الزراعة الأميركية في جامعة تافتس في ميدفورد. وبغية تفادي المشاكل التي ترافق تعميم نظام غذائي واحد على فئات المجتمع، حرصت هذه الدراسة على ضبط غذاء المشاركين بدقة. وهكذا تمكّن الباحثون من إضافة قبضة من جوز البقان يومياً إلى النظام الغذائي الأميركي التقليدي ودراسة تأثير هذا الجوز في عزلة نسبية.

لكن الوجه السلبي لهذه المقاربة يكمن في العجز عن إجرائها على مجموعة واسعة من الناس. نتيجة لذلك، ضمت الدراسة عينة صغيرة اقتصرت على 26 رجلاً وامرأة.

عاني المشاركون الوزن الزائد أو السمنة، إلا أنهم لم يواجهوا مشاكل صحية أخرى. اتبع كل مشارك طوال الأسابيع الأربعة الأولى نظاماً غذائياً معيناً، ثم انتقل في الأسابيع الأربعة المتبقية إلى نظام غذائي آخر.

شكّل النظام الغذائي الأول نظام الضبط. أما النظام الغذائي الثاني، فجاء مطابقاً له مع استثناء واحد: استبدال جوز البقان

بـ 15% من مجموع السعرات الحرارية. لم يحتو النظامان على كميات كبيرة من الألياف، والفاكهة، والخضراوات. كذلك لم يشهد محتواهما من السعرات الحرارية ومعدلات الدهون والنشويات الإجمالية فيهما أي اختلاف.

اكتشف الباحثون أن إضافة جوز البقان إلى نظام المشاركين الغذائي حسّن حساسيتهم تجاه الإنسولين. كذلك لاحظوا تأثيراً إيجابياً في مؤشرات أخرى ترتبط بالأمراض القلبية الأيضية، خصوصاً تبدلات في مصل الإنسولين وعمل خلايا بيتا التي تخزن الإنسولين وتطلقه.

تذكر الدكتورة ديان ماكاي، باحثة بارزة في الدراسة: "يُعتبر جوز البقان مصدراً غنياً طبيعياً بالدهون غير المشبعة الأحادية والمتعددة. لذلك، قد يعلل استبدال الدهون الصحية بجزء من الدهون المشبعة في النظام الغذائي تأثيرات حامية للقلب لاحظناها”.

تتابع موضحة: "لكن البقان يحتوي أيضاً على عدد من المركبات النباتية النشيطة حيوياً، فضلاً عن فيتامينات وأملاح معدنية تسهم على الأرجح في هذه الفوائد. إلا أن اللافت أن تغييراً بسيطاً واحداً (تناول قبضة من جوز البقان يومياً) أدى إلى تأثير كبير في صحة أولئك البالغين الأكثر عرضة للمخاطر”.

تحذير

صحيح أن النتائج مشجعة، إلا أن على الباحثين إجراء مزيد من الدراسات تشمل عينات أكبر من الناس قبل التوصل إلى خلاصات حاسمة. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن البحث مُوّل من الجمعية الوطنية لمنتجي البقان، التي تسعى بالتأكيد "إلى دعم منتجي البقان والترويج لمصالحهم”.

عموماً، يعتمد العلم على التراكم البطيء للأدلة التي يقدمها عدد من الدراسات على مر الوقت. ولا يُعتبر التحقق من فوائد جوز البقان الصحية المحتملة مختلفاً.

صحيح أن الباحثين في هذه الدارسة يشيرون إلى دراسات سابقة تناولت تأثيرات جوز البقان في الصحة. ولكن في حالات كثيرة، حصلت هذه المشاريع أيضاً على التمويل من الجمعية الأميركية لمنتجي البقان. بالإضافة إلى ذلك، صحيح أن هذه الفوائد تجلت في تجارب مماثلة، إلا أن الأخيرة شملت غالباً أعداداً محدودة من المشاركين.

لا شك في أن هذا البحث الجديد نُشر في مجلة علمية محترفة وأجرته مؤسسات علمية محترمة. ولكن من الضروري دوماً طرح مقدار سليم من الشك.

مع تراكم الأدلة، يبدو أن النظام الغذائي الغني بالجوزيات مفيد للصحة عموماً. ولكن في هذه المرحلة، ما زالت فوائد جوز البقان تحديداً بحاجة إلى المزيد من الدرس والبحث. وإذا تبين حقاً أنها تقلل من المخاطر القلبية الوعائية في حالة مَن يعانون الوزن الزائد، فقد يشكّل جوز البقان عندئذٍ تدخلاً طبيعياً قليل الكلفة.