كذبة أبريل!
من أغرب مفارقات العصر الحديث تحديد يوم واعتباره مناسبة للكذب، ويتم تحذير الناس فيه من الوقوع فريسة للخداع البشري، ومثل هذه الكوميديا السوداء بحد ذاتها الكذبة الكبرى التي نعيش فيها ونتعاطى حياتنا اليومية في ظلها بشكل اعتيادي وتلقائية وعفوية طبيعية جداً.لا أعلم مناسبة كذبة أبريل أو الحكمة منها، ولكن إسقاطات هذه الذكرى قد تعني أن الناس في عمومهم يعيشون حياتهم طوال السنة بالكذب والخداع، وحتى يخرجوا أنفسهم من هذه العقدة فإنهم يحددون يوماً للكذب ليمسح ما قبله وتتحول صفحة عام من الكذب إلى ورقة بيضاء وكأن شيئاً لم يكن.الاحتمال الآخر يكمن في حقيقة الحياة الفطرية للإنسان الذي كان يعيش في أجواء من الصدق والخلق القويم، ولكسر هذا الروتين الممل حدّد لنفسه يوماً للخروج عن النص كنوع من التجديد، ولو عبر كذبة تسمى بالكذبة البيضاء.
هذه الكذبة الصغيرة بدأت تكبر بالتدريج، وتنتشر حتى تحولت في نهاية المطاف إلى حالة عامة، وبات الكذب هو الأصل، وتحوّل الصدق والإخلاص إلى استثناء من هذه القاعدة، بل إن الصادق بات يوسم بالغبي والمعتوه والمقصر في حق نفسه وأهله، لدرجة أن حتى الصادق الذي لا يفقه أصول الكذب عليه أن يستعين بكاذب متخصص لمساعدته في حل مشاكله وتحقيق مراده، وطبعاً تحت مظلة الكذبة البيضاء لزوم الشيء أعلاه! هذه الكذبة البيضاء تحوّلت بقدرة قادر إلى سياسات عامة واستراتيجيات وصارت الكذبة تتناسب مع حجم صاحبها وموقعه وشخصيته، فعلية القوم يفترض أن تكون كذبتهم بمستواهم العالي، وقد يكون من العيب أن تكون كذبتهم ككذبة الفقير والفلاح أو الطفل الصغير، ولذا تلازمت الكذبة الكبيرة مع السياسيين الكبار، وبات على الرعية تصديق أكاذيبهم، وإلا فإنهم سيرون نجوم السماء في كبد النهار، فكل زعيم يتولى السلطة يردد قسماً بأنه يؤدي أعماله بالأمانة والصدق، ولكن إذا ما تفشى الظلم وزاد الفساد وظل الناس في مستنقع التخلف والأمراض والفقر فعليهم أن يكذبوا هذا الواقع لأن كذبة الزعيم هي رمز الصدق.الكذبة الصغيرة التي ترعرعنا في ظلها وكبرت معنا خلال السنين على سبيل المثال كانت تحرير فلسطين وبذل الغالي والنفيس من أجل تطهيرها من دنس المحتل، لكن هذه الكذبة البسيطة تحولت اليوم إلى سياسات دول وحكومات تهرول إلى كسب رضا هذا المحتل البريء!كذبة صغيرة أخرى انطلقت باسم إقامة دولة الخلافة، ولو على إقليم إسلامي صغير لإقامة شعائر الدين على أرضه تأسياً ببساطة حياة الرسول الكريم (ص) وصحبه الكرام، وإذا بهذه الكذبة تتحول إلى مجازر وقطع الرؤوس وتشريد الناس وتدمير بلاد المسلمين وهتك أعراض النساء، في حين تكدست الملايين من الدولارات الجديدة وحور عين الدنيا في مهاجع وكهوف خلفاء العصر!أما الكذبة السوبر فهي لزعيم أكبر دولة في العالم الذي قال إنه لم يذق طعم النوم حزناً على أطفال سورية، وهو نفسه الذي كذب بحق بياناته المالية للتهرب من الضرائب، وكذب بشأن التدخل الأجنبي، وتحكم وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى السلطة، وكذب بالحفاظ على أرواح أطفال مدارس شعبه الذين سقطوا في أكثر من 390 حادث إطلاق نار، وفجأة قرّر الانسحاب من سورية! ولكننا لا نزال نطبل له ونمجده لسبب بسيط أن كذبته "صج"!