يشكّل الرابط بين الشخصيتين الرئيستين في Thoroughbreds، أو بمعنى أصح بين لوحَي الثلج البشريين هذين، القلب الأسود النابض لفيلم الكاتب والمخرج كوري فنلي السينمائي الأول، وهو عمل سوداوي عن فتاتين شريرتين يعرض الأطر اللوجستية والأخلاقية لجريمة قتل تنفذها صديقتان. المستهدف زوج والدة ليلي، مارك (بول سباركس) الذي ينغص حياتها، مع أن ثروته تُعتبر سبب تمتعها بحياة تُحسد عليها، في الظاهر على الأقل.يدور أكبر جزء من أحداث الفيلم داخل منزل فاخر في ضواحي كونيكتيكت تعيش فيه ليلي مع والدتها الغبية (فرانسي سويفت) وزوجها البغيض. يروي Thoroughbreds قصة شابتين غريبتي الأطوار سئمتين تقرران تحويل خيال بعيد إلى واقع دموي ملموس. يمكننا تشبيه هذا العمل بـDouble Indemnity أو Rope مع لمسة عصرية أنثوية. كذلك يشكّل العنوان، الذي يشير إلى الأحصنة الأصيلة التي تُربى في اسطبلات ذلك الحي الراقي، رمزاً تحرص القصة على توضيحه في لحظاتها الأقل رقة: ماذا يحدث عندما تبدأ فرستان أصيلتان جميلتان بإساءة التصرف؟
مهارة المخرج
يشكّل هذا العمل برهاناً على مهارة المخرج الذي يؤكد أن الأجوبة تستحق انتظارها. قد لا تبدو لك تمضية 90 دقيقة مع مراهقتين تعانيان العداء للمجتمع فكرة ممتعة، إلا أن مشاهدتهما تمنح المشاهد متعة خبيثة غريبة، ربما لأنهما تبدوان غير آبهتين بوجودك أو بموافقتك.على نحو مماثل، يشكّل ذلك المنزل محور أعمال الرعب في Thoroughbreds. إنه المكان المثالي الذي تجدد فيه ليلي وأماندا، بحجة جلسات التعليم الخاصة، صداقتهما التي بدأت في الطفولة إلا أنها دخلت مرحلة من الخمول. تعرّضت هاتان الفتاتان كلتاهما للنبذ أخيراً إنما لأسباب مختلفة تماماً: طُردت ليلي من المدرسة بتهمة سرقة الملكية الأدبية، ما هدّد فرصها بدخول الجامعة. في المقابل، تخضع أماندا لتقييم نفسي لأنها ارتكبت أعمال عنف ضد حصان.تذكر أماندا من البداية: «لا أملك مشاعر البتة». وسواء كانت تدلي بهذا الكلام كملاحظة أو كتعبير عن مبادئها عموماً، فيؤكّد أداء كوك الخالي من المشاعر على نحو مخيف صدق هذه الكلمات. لكن عدم إحساس أماندا الكامل بمشاعر مثل الفرح والأسى (لا مشاعرها هي وحدها بل مشاعر المحيطين بها أيضاً) يمنحها بصيرة واضحة لا ترحم. فقد بات بإمكانها اختراق تلك الطبقات الزائفة من المشاعر الكاذبة لتصل إلى دفاعات الجميع النفسية، خصوصاً ليلي. نتيجة لذلك، تبدو وحشاً مخيفاً ثاقب النظر.في المقابل، لا تبدو ليلي، التي تؤديها تايلور-جوي بشيء من الهشاشة المؤثرة المقلقة التي قدمتها في The Witch، عديمة المشاعر بقدر أماندا. فما زال بإمكانها الشعور بالغضب، خصوصاً تجاه مارك بسبب تصرفاته العنيفة المتسلطة. ولكن عندما ترغب في محاكاة انفصال أماندا وتلاعبها بالظروف لمصلحتها، يتبين أنها سريعة التعلّم على نحو مخيف.خطة بشعة
تتآمران معاً لاعتراض تاجر مخدرات محلي يُدعى تيم (الراحل أنتون يلشين في إحدى مشاركته المصورة الأخيرة التي تُعرض إزاء الجمهور) وابتزازه لدفعه إلى تنفيذ خطتهما البشعة. يضفي أداء يلشين لمسة من الحزن، والريبة، واليأس البشري التام إلى هذا الخليط. ولا شك في أنك تستمتع بكل لحظة تمضيها معه على الشاشة، مع أن القصة لا تنجح في دمج ظهوره في مجرياتها وإنهائه.بالإضافة إلى ذلك، يضيف واقع أن تيم مروّج بسيط يحلم بأن يتحوّل إلى تاجر مخدرات كبير نفحة من الهجاء التقليدي إلى حبكة هذا الفيلم. على نحو مماثل، تملك أماندا رغم وقاحتها البارزة وهماً مشابهاً، فتحلم بشق طريقها بسرعة نحو النجاح، معتبرةً ستيف جوبز مثالها الأعلى.لقطات مميزة
يحتلّ البوح بمكنونات القلب التقليدي مرتبة ثانية إزاء أهداف فنلي في هذا العمل: صحيح أن هاتين الفتاتين لا تكترثان بأي أحد أو أي أمر، إلا أنه هو يهتمّ لأمرهما، رغم كل ما يحدث، ويدفع المشاهد إلى القيام بالمثل.يبني Thoroughbreds تسلسلاً نحو الذروة يتجلى من خلال تصميم إطاره وموسيقاه. فنلاحظ أن التشويق، والرعب، والحدة تندمج معاً في لقطة واحدة مميزة.