في طفولتي لم يكن لدى والديَّ هاجس اسمه التعليم بالنسبة إلي أو لإخوتي، فالمسألة طبيعية بأن أنتسب إلى أقرب مدرسة من المنزل، وتستمر هذه الحال إلى حين التخرج من المرحلة المتوسطة على الأقل، ومن ثم الاختيار ما بين نظام المقررات أو نظام السنوات للمرحلة الثانوية، ويكون الأبناء جزءاً من هذا القرار، ولا يكون ملقى على عاتق أولياء الأمور وحدهم، أما المدارس الخاصة فكانت بمثابة رفاهية في كثير من الأحوال، ينتسب إليها عدد محدود من الطلبة إذا ما قورن بعدد الطلبة في المدارس الحكومية، وأنا هنا أتحدث عن مرحلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

اليوم وبعد عشرين سنة من الحال السابقة والطبيعية والقائمة على تقديم الدولة لمستوى تعليمي جيد، وانتشار المؤسسات التعليمية والمدارس الحكومية في كل مناطق الكويت، لم تعد الحال كما كانت، فما نراه من تردٍّ في التعليم الحكومي، حسب تصنيف مختلف المنظمات الإقليمية والعالمية للتعليم الحكومي في دولة الكويت، أصبح هاجسا لأي ولي أمر، فمناهجنا الحكومية تزخر بالكراهية والمحتوى الضعيف أو القديم، والكفاءة التعليمية لدى المعلمين ليست كالسابق، والمدارس تعاني نقصاً لوجستياً لا تخلو الصحف والأخبار اليومية من إبرازه وبشكل يومي، وفترة الدراسة الرسمية في المدارس الحكومية أصبحت أقل من 6 شهور في السنة، وأكرر بأنها فترة الدراسة الرسمية ولا أعني العطل التي تسبق العطل وتلحقها.

Ad

كل هذه المعطيات السيئة والمتردية والخطيرة في التعليم الحكومي تجبر الكثير من أولياء الأمور، وأنا منهم، على أن نتجه إلى التعليم الخاص الذي لم يعد اليوم شكلا من أشكال الترف والرفاهية، بل بات قرارا ضروريا لحماية الأبناء من الوضع السيئ القائم والمستمر دون خطوة إصلاح واحدة أو بارقة أمل حقيقية توحي بأن هناك تغييراً ما سيحدث.

إن التحدي الذي أعانيه اليوم، وأعتقد أن الكثيرين يعانونه مثلي هو اختيار المدرسة الخاصة التي سينتسب إليها أبناؤنا، وأنا هنا لا أتحدث عن الشق المادي الذي بالطبع يشكل عبئاً على الكثير من الأسر، ولكنني أتحدث عن أن عملية اختيار المدرسة تعد بمثابة مقامرة فعلية، فلا يوجد معيار حقيقي لمعرفة مستوى المدرسة الخاصة سوى الكلام المتناقل وبعض الخبرات بين الناس، واتخاذ قرار مثل هذا لا يمكن أن نشرك فيه الأبناء، لأن القرار يتخذ وهم لا يتجاوزون خمس أو ست سنوات، لذلك أقول إنها مقامرة قد تتسبب في عدم اختيار الأنسب للأبناء، وما يترتب عليه ذلك طوال سنواتهم القادمة ومستقبلهم ككل.

هذه الأزمة التي يعيشها الكثيرون هي صنيعة حكومية خالصة يتحمل وزرها المواطنون دون ذنب سوى أن سياسة الدولة تتجسد في إفشال التعليم وجعله بيئة طاردة، ترهق الآباء ذهنيا في المقام الأول، وماديا في كثير من الأحيان، ناهيكم عن بعض المشاكل الاجتماعية التي قد تترتب على هذه المشكلة، بالإضافة إلى الازدحام المروري الذي أصبح لا يطاق، وأحد أسبابه هو المدارس الخاصة التي تتمركز في مناطق معدودة مسببة الازدحام الخانق.

ضمن نطاق التغطية:

حسب أرقام الحكومة فإن تكلفة الطالب الواحد في السنة الواحدة في المدارس الحكومية تفوق تكلفة الطالب في الكثير من المدارس الخاصة في الكويت، ومع هذا فإن التعليم الحكومي يتراجع سنويا حسب مختلف التصنيفات الإقليمية والدولية.