عندما يستخلص شعب كامل وقادته السياسيون أنهم ما عادوا يملكون ما يخسرونه تنفتح أبواب الجحيم، وقد تجلى هذا اليأس والتهور بوضوح في غزة حين تظاهر آلاف الفلسطينيين عند الحدود مع إسرائيل وقتل الجنود الإسرائيليون ما لا يقل عن 16 متظاهراً.لا عجب في أن يشعر سكان غزة العاديين أنهم ما عادوا يملكون ما يخسرونه، صحيح أن غالبيتهم من اللاجئين، إلا أنهم يعيشون على مقربة من قراهم، التي تبدو قاب قوسين أو أدنى منهم إنما محرمة عليهم، علاوة على ذلك ازدادت الحياة في غزة صعوبة في السنوات الأخيرة مع تفشي البطالة والفقر، وانتشار المجاعة، وتدهور نظام الرعاية الصحية.
لكن حركة حماس أيضاً تشعر، على ما يبدو، أنها لا تملك ما تخسره، إذ كانت هذه الحركة تعوّل على "المصالحة" مع "فتح" والسلطة الفلسطينية بغية تحررها من عبء إدارة قطاع غزة والاعتناء بشعبه وحصولها أخيراً من المجتمع الدولي على المساعدة وعملية إعادة البناء الضروريتين، فضلاً عن استعادتها موطئ قدم في الضفة الغربية، لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ربط المصالحة بنزع سلاح حماس، علماً أن هذه خطوة تأبى هذه الحركة المقاتلة التفكير فيها، لذلك ما عاد أمام حماس أي خيارات.لكن عباس أيضاً يقدِم على مخاطرة كبيرة، فبعدما تعرض للذل من إسرائيل، وواجه والرفض المدمر عندما تخلت واشنطن عن حل إقامة دولتين وأعلنت القدس عاصمة إسرائيل، تبدو استراتيجية الدبلوماسية والتفاوض التي يتبعها قمة الإخفاق والتهور، وكانت القشة الأخيرة محاولة حماس اغتيال رئيس وزرائه رامي حمد الله في شهر مارس.صب عباس جام عضبه عليهم جميعاً في خطابات عنيفة وساخطة، فندد بإسرائيل وبالرواية اليهودية، وانتقد خطة السلام المزعومة التي تتبعها إدارة ترامب، واصفاً إياها بـ"صفعة القرن"، كذلك نعت السفير الأميركي ديفيد فريدمان بـ"ابن الكلب"، بالإضافة إلى ذلك هاجم عباس حماس ووصفها بحركة مجرمين ومشاغبين، وتوعد بفرض عقوبات جديدة على غزة عقاباً لها، علماً أن هذه الخطوة ستنغّص أيضاً بطريقة غير مباشرة حياة إسرائيل وواشنطن، ولا شك أن هذه الخطابات تُظهر بوضوح أنه "ما عاد يملك ما يخسره".بعد خسارة معظم المساعدات التي كانت تتلقاها من قطر، عاودت حماس عموماً، وأجنحتها المقاتلة خصوصاً، التقرب من إيران خلال الأشهر الأخيرة، ولا شك أن هذه الاضطرابات المتفاقمة تفرح طهران، لكن استراتيجيات "لا نملك ما نخسره" هذه عالية المخاطر.يسعى عباس جاهداً راهناً كي لا تزايد عليه حماس والناشطون في غزة في مسائل القومية، والتظاهرات، وإحياء الاحتفالات التذكارية، فمن الممكن أن تنتقل الاضطرابات بسهولة إلى الضفة الغربية، حيث ستصبح في الحال مشكلته.أما بالنسبة إلى حماس، فمن المستحيل توقع التأثير السياسي الذي قد يترتب على صراع كارثي آخر مع إسرائيل، فإما يدفعها إلى الإمساك بالسلطة الوطنية أو يشكّل ببساطة الضربة الأخيرة التي تقوض مصداقيتها حتى في غزة.تُعتبر الأسابيع الستة المقبلة كابوساً لاحتمالات التهدئة، وإذا لم نشهد تصعيداً كبيراً في أعمال العنف (وخصوصاً مع لعب القادة الفلسطينيين اليائسين بالنار ولجوء إسرائيل في الحال إلى القوة المميتة ضد متظاهرين عزّل)، فستكون هذه معجزة سياسية، لكن "الأراضي المقدسة" قلما تقدّم معجزات مماثلة. * «ذي ناشيونال»
مقالات
سنشهد معجزة سياسية إن لم ترتفع وتيرة العنف في غزة
05-04-2018