أبحاث وهمية فقط؟!
مآسي جامعة الكويت لا تقف عند حد النشر العلمي الذي تقلصت ميزانية دعمه بذريعة تراجع أسعار النفط أو طريقة التعيينات القيادية فيها، لكنها مشاكل تراكمية في مجملها تحولت إلى أعراف محصنة لا تجرؤ أي إدارة على نفضها لأنها قد تطير قبل أن تثار هذه المشاكل.
القلق على الوضع التعليمي يفوق بمراحل ما ذهب إليه أحد الزملاء الكرام في رسالة موجهة إلى رئيس مجلس الوزراء بشأن النشر العلمي في مجلات هندية وهمية بواسطة بعض النخبة الأكاديمية في أرقى وأهم مؤسسة تعليمية وهي جامعة الكويت.نعم ما ذكر يعدّ من كبريات الجرائم الأخلاقية والمهنية، ومعول هدم من الداخل لأركان الدولة وعقلها المفكر وعصبها العلمي الذي يفترض أن يكون القلب النابض للرقي والتقدم، وعماداً للتطوير والتنمية، ومع تأكيدنا وبكل حزم أن هذه الظاهرة لا يمكن تعميمها حيث تفتخر الجامعة بجهابذة من الأساتذة والعلماء ممن تتباهى بهم الصروح الأكاديمية العالمية، إلا أن المتسلقين والمزورين وكتبة الأبحاث الوهمية والرخيصة هم من يسيئون إلى سمعة الجامعة والبلد، ولكن مع الأسف الشديد فإن ما يسمح لهذا النوع من التلاعب هو وجود حاضنة كبيرة للفساد الذي يشمل أيضاً الفساد التعليمي.رسالة أ. د. ناجي سعود الزيد، وهو من أعمدة جامعة الكويت، وفي مجال حساس هو الطب، ما كانت لتتوجه إلى سمو رئيس الحكومة، فما ذكره النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع يكفينا كشهادة وفاة للتعليم في الكويت وضرورة اتخاذ قرارات حاسمة وشجاعة نملك كل مقوماتها ما عدا الإرادة.
حتى إن توافرت الإرادة الشكلية فإنها تفتقر لمصداقية النزاهة والأمانة والإخلاص، فالخوف كل الخوف أن تسند مهمة الثورة التعليمية إلى رموز التزوير في الشهادات والأبحاث، ولا نحتاج إلى الكثير من العناء لإبراز هذا الوجه القبيح من خلال قرارات التعيين في المناصب القيادية، وإسناد المؤسسات الحيوية إلى غير مستحقيها في العلم والدراية ونظافة اليد والسريرة.وفي جامعة الكويت تحديداً هناك العديد من الأمثلة والتطبيقات على إهانة العلم والعلماء الحقيقيين على مدى عشرات السنين، فكم من القياديين أصابهم الإسهال البحثي وهم منهمكون في موقع المسؤولية الإدارية، فكتبوا من الأبحاث والدراسات ما لم يكتبه آينشتاين أو فولتير في نصف حياتهما؟ وفي المقابل كم من أساتذة الجامعة ممن قضوا أكثر من ربع قرن في التدريس ويحملون حرف "د" أمام أسمائهم لم يقدموا ورقة علمية واحدة، ومع ذلك يزاحمون خلق الله في المناصب القيادية بل ينتزعونها انتزاعاً؟ وكم من العباقرة من الأساتذة ممن لم يدخل قاعة المحاضرات، ويتجول من منصب إلى آخر ومن موقع إلى موقع وينال إجازة علمية لمدة سنتين بينها وبراتب مضاعف فقط كاستراحة زمنية؛ دون أن يطلب منه إعداد ورقة بحث واحدة؟ وكم من الأساتذة حصل على ترقية علمية رغماً عن آراء المحكمين وضعف المجلات الناشرة لأبحاثه وغصباً عن اللجان العلمية بفعل ضغوط وأوامر من خارج الجامعة؟ مآسي جامعة الكويت لا تقف عند حد النشر العلمي الذي تقلصت ميزانية دعمه بذريعة تراجع أسعار النفط أو طريقة التعيينات القيادية فيها، لكنها مشاكل تراكمية في مجملها تحولت إلى أعراف محصنة لا تجرؤ أي إدارة على نفضها لأنها قد تطير قبل أن تثار هذه المشاكل.أم المصائب هذه تتوّج بمحاولات سرقة الجامعة برمتها ومصادرة حرمها الأكاديمي الجديد الذي أقر بقانون أصدره مجلس الأمة، وبقيمة إجمالية تصل إلى 10 مليارات دولار، فاللعاب يسيل على مشروع الشدادية ولتذهب الأبحاث العلمية والمجلات الوهمية ومستقبل التعليم العالي إلى الجحيم!