هولندا ورؤية الكويت
قضية امتلاك رؤية وطنية ليست بالأماني ولا بالخطب الرنانة، فالكلام إن لم يؤمن به ويعمل على تطبيقه قيادات ومسؤولو الدولة فلن يصل إلى قلب ووجدان المواطن، فهولندا عندما قررت أن تكون وجهتها الطاقات البديلة تحول معها فكر المجتمع إلى راعٍ ومالك للمشروع.
عندما تطرقت في أحد مقالاتي السابقة عن أهمية التحرر من سطوة الدولة العميقة كنت أقصد بذلك التخلي عن النهج القديم في إدارة شؤون الدولة من خلال توظيف الطاقات واستقطاب الكفاءات وفتح المجال أمام المبدعين والمبتكرين رغم علمي أن هذا الباب قد أغلق من عقود، لكن المحاولة في تغيير النهج تأتي من باب الأمل والإيمان بأن بقاء الحال من المحال. في زيارتي الأخيرة لمملكة هولندا سجلت بعض الانطباعات والمشاهدات لمجتمع جمعت فيه كل التناقضات تحت عنوان الحرية الشخصية، لكنه وفي الوقت نفسه حرص على تطبيق العدالة المجتمعية، وسار في مجالات التنمية الاقتصادية بحرفية ومهنية عالية. هولندا يعيش فيها أكثر من ١٧ مليون نسمة، وتضاريسها الجغرافية في غاية الصعوبة، لكنها حتماً امتلكت رؤية اقتصادية عظيمة عملت على تفعيلها حتى أضحت قبلة للابتكار في عالم صناعة الطاقات البديلة والمتجددة وتدوير النفايات، وكأنها تراهن على قدرتها وريادتها العالمية في تطبيق مفهوم التنمية المستدامة.
ضمن تلك الزيارة التقينا مع بعض الجهات الحكومية، وبعض مؤسسات القطاع الخاص، حيث التناغم والتكامل في إدارة شؤون الدولة بدلاً من التنافس أو التذمر، فكلا القطاعين يكمل الآخر، وبين هذا وذاك ترى حضور المؤسسات التعليمية والبحثية مع كل خطوة يمكن أن تقود إلى النجاح. بلد الطواحين وصل دخلها القومي إلى 800 مليار دولار، وهي تقف على أعتاب الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقات المتجددة، وستكون من أولى الدول التي ستستغني عن الطاقة النفطية، وكيف لا وفيها كل مواطن ومسؤول يجد نفسه ضمن مشروع الشراكة صانعا للرؤية وطريقا لتحقيق أهدافها. بلد الطواحين تدار فيه المصانع العملاقة عند مرحلة الإنتاج بعدد عاملين لا يتجاوزون أصابع اليد، لكن وفي الجانب الآخر هناك جيش من المبدعين مهمتهم صناعة الحلول التكنولوجية الابتكارية ومعالجة المشاكل وتحسين جودة المنتج، وفريق آخر يعمل ليل نهار مهمته التسويق.اليوم الكويت مقبلة على استثمارات ضخمة عبر إنشاء قاعدة واسعة من البنى اللوجستية تقدر بعشرات المليارات تعتزم من خلالها فتح آفاق اقتصادية، وشراكات استثمارية مع القطاع الخاص والمستثمر العالمي، لتحقيق أهداف طموحة يمكن أن تجعل منها جسراً استثمارياً للإقليم والمحيط الجغرافي لدولة الكويت.قضية امتلاك رؤية وطنية ليست بالأماني ولا بالخطب الرنانة، فالكلام إن لم يؤمن به ويعمل على تطبيقه قيادات ومسؤولو الدولة فلن يصل إلى قلب ووجدان المواطن، فهولندا عندما قررت أن تكون وجهتها الطاقات البديلة تحول معها فكر المجتمع إلى راعٍ ومالك للمشروع.عندهم ترشيد الإنفاق نهج تتعدى فكرته استغلال رفاهية الوظيفة، فالمسؤول قدوة، وطبعاً قرأنا عن حالات أجبر الوزراء على تقديم استقالتهم بسبب صرف فاتورة لا تتعدى بضعة دنانير بغير وجه حق، ورأينا وزراء يقومون بزيارات رسمية يستخدمون الطائرات التجارية، ويتنقلون إلى مقار عملهم بوسائل النقل الجماعي أو بواسطة الدراجات الهوائية حالهم من حال أي مواطن، لذلك أرجع وأقول رؤية بلا تطبيق تظل حبراً على ورق ومشروعاً لسرقة الأحلام.ودمتم سالمين.