سورية... الحرب ستلد أخرى!
على هامش الاجتماع الثلاثي الأخير في أنقرة، بين الرؤساء فلاديمير بوتين ورجب إردوغان وحسن روحاني، كاد يصدر بيان يتم فيه إعلان أن الحرب في سورية قد انتهت، وأن الأمور عادت إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، لكن يبدو أن أساسيات ما جرى في هذا الاجتماع حالت دون إصدار مثل هذا الإعلان، طالما أن هناك قضايا رئيسية لا تزال عالقة، وطالما أن لكل بلد من هذه البلدان الثلاثة مصالحه الخاصة التي تتعارض وتتضارب مع مصالح البلدين الآخرين.والواضح أنها مجرد أمالٍ لا تزال بعيدة جداً أن يفكر أحد هؤلاء الرؤساء الثلاثة في إصدار بيان بأن الحرب في سورية قد انتهت، وأن الأمور قد عادت إلى ما كانت عليه، فهذا البلد في حقيقة الأمر قد ازداد تمزقاً وانهياراً حتى بعد الانتصارات التي حققها الروس وليس نظام بشار الأسد في الغوطة الشرقية ودوما، فهناك أطراف كثيرة لا تزال تتصارع على الأرض السورية، وهناك مصالح متضاربة، بل هي ازدادت تضارباً بعد هذه "الانتصارات" التي أكدت أن هذا البلد العربي ذاهب إلى التقسيم المذهبي إذا بقيت الأمور تسير في هذا الاتجاه.
من الواضح أنه حتى الآن، وربما على المدى البعيد، من غير المتوقع أن يستعيد هذا النظام، نظام بشار الأسد، سيطرته لا على كل الأراضي السورية ولا على معظمها، وأيضاً ولا على نصفها أو ربعها، طالما أن الروس يسيطرون على جزء كبير منها، وأن الإيرانيين لهم حصة مجزية، وكذلك الأتراك والأميركيين، وطالما أن المعارضة المعتدلة الحقيقية والفعلية لا يزال لها وجودها ليس في إدلب فقط وإنما في الجبهة الجنوبية وفي شرقي الفرات وفي غربه وفي حلب... وأيضاً في حمص وحماة وهذا يعني أن الأبواب لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، وأن هناك حروباً قادمة كثيرة طالما أن كل المعطيات تشير إلى أن كل حرب ستلد حرباً جديدة أخرى.إن القرار في سورية، سابقاً ولاحقاً وحتى الآن وأيضاً في المستقبل القريب والبعيد، هو بأيدي الروس أي في قاعدة "حميميم"، وليس في قصر المهاجرين بدمشق ولا في طهران، والواضح أن الروس بمعرفتهم وخبرتهم الطويلة بالنسبة لهذا البلد الذي بدأ نفوذهم فيه في عام 1949، والآن باتوا على قناعة حاسمة بأن صيغة هذا الحكم الطائفي، الذي بقي مستمراً منذ عام 1970، لم تعد مقبولة، وأنه لا يمكن استمرارها، وحتى وإن تم "إسنادها" بالمزيد من الموجات الطائفية المستوردة من عدد من البلدان المعروفة.وعليه وبما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تراجع، تحت ضغط كبار "صقور" إدارته عن سحب القوات الأميركية من سورية، فإن هذا يعني أننا بانتظار معادلة جديدة في هذا البلد، وأن الأيام المقبلة ستشهد تحولات كثيرة، خاصة وقد ثبت، خلافاً لتوجهات باراك أوباما، أن الشرق الأوسط لا يزال يشكل منطقة مصالح حيوية "استراتيجية" للولايات المتحدة ولدول الاتحاد الأوروبي وبالطبع لبريطانيا، وهذا يعني أنه لن يسمح للروس بالاستفراد في هذه المنطقة، وحتى إذا استجدت ضرورة للجوء إلى القوة العسكرية!