أصدر «صندوق النقد الدولي» تقريراً ناشئاً عن أحدث «مشاورات المادة الرابعة» مع إيران في 29 مارس. ويصدر هذا التقرير في فترةٍ يخضع فيها الريال الإيراني لضغطٍ مستمر مسلطاً الضوء على نقاط الضعف الاقتصادية للبلاد، فقد تراجع سعر صرف الريال مقابل الدولار في السوق الحرة من 4275 في يناير إلى 4875 في 13 فبراير، ما دفع «المصرف المركزي» الإيراني إلى التدخّل. ومع أن سعر الصرف استرد قيمته إلى 4469 ريالا بحلول 1 مارس، إلا أنه سرعان ما انهار مجدداً إلى 4784، أي أقلّ بنسبة 12 في المئة من السعر الذي بدأ به هذا العام. وأشار التقرير أيضاً إلى أن إيران تواجه مخاطر جدية من مجموعة عوامل أخرى، بما فيها «التباسات» متعلّقة بتنفيذ الاتفاق النووي، و»ضغوط مالية ناجمة عن تقدّم غير كاف في إعادة رسملة القطاع المصرفي وإعادة تنظيمه»، وتراجع مستمر في «الدعم السياسي أو الاجتماعي للإصلاح».
بإمكان طهران اتخاذ اكثير من الإجراءات لعزل الإيرانيين عن معظم مشاكل الاقتصاد الكلي للبلاد، التي لا تترجَم على الفور إلى مستويات معيشة منخفضة، ومع ذلك، فقد تؤثر الأزمة المالية على معظم السكان بسرعة كبيرة إذا تعذّر على المصارف منح القروض أو الدفع نقداً للمودعين.وفي هذا السياق، تناول تقرير «صندوق النقد الدولي» مجموعة من المخاطر التي تواجهها المصارف الإيرانية، فنسبة الرأسمال إلى الأصول تستمر في التراجع (4.9 في المئة حالياً)، في حين تستمر القروض المتعثرة بالتزايد (11.4 في المئة )، ومستبعدٌ أن يُعْكَس أي من الاتجاهين. وفي إشارة إلى أن «نسبة التكلفة إلى الدخل للمصارف في إيران هي بين أعلى المعدلات في العالم»، دعا التقرير الحكومة إلى «الامتناع عن الائتمان الموجه»، أي إطلاع المصارف على الجهات التي يمكنها إقراضها. وأوصى التقرير أيضاً بتغطية إعانات الفائدة، وتعديل الأسعار المقننة كي تستطيع الشركات الوفاء بالتزاماتها تجاه المصارف، وضمان قيام مصارف الدولة بتنفيذ «الحوكمة والإجراءات الداخلية وإدارة المخاطر الائتمانية» الرشيدة لـ«دعم نموذج أعمال مربح».
شراء الدولارات
ولكن لا يبدو أنه سيتّم اتخاذ أي من هذه الإجراءات، وبالتالي فمن غير المستغرب رؤية المودعين القلقين يسحبون نقودهم من المصارف ويستخدمونها لشراء الدولارات. ووفقاً لـ «صندوق النقد الدولي»، اختبرت مؤسستان ائتمانيتان على الأقل- متصلتان في الأغلب برجال دين أو «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني - «ذعراً مصرفياً» (أي تهافتاً على سحب الودائع منها) أخيراً، فإيران تفتقر لنظام تأمينٍ على الودائع، رغم أن المصرف المركزي «أقرض» المؤسستين المتضررتين بما يكفي لسداد المستحقات لـ 98 في المئة من المودعين (أي أولئك الذين لديهم أقل من 25.000 دولار). ومع ذلك، من غير المحتمل أن يستعيد «المصرف المركزي» الأموال، ولا يمكن للمودعين أن يكونوا على يقين مما سيحصل خلال الأزمة المقبلة.وبالإضافة إلى سوء إدارة المصارف، تُعتبر المالية العامة أكثر هشاشة مما تم الإقرار به سابقاً، فقد وجد التدقيق الذي شمل عدة أعوام، أن مجموع متأخرات ديون الحكومة أكثر من 30 في المئة من «الناتج المحلي الإجمالي»، ما جعل نسبة الدين إلى «الناتج المحلي الإجمالي» تصل إلى 50 في المئة حتى قبل إعادة الرسملة المصرفية المطلوبة. كما خلص «صندوق النقد الدولي» إلى أن «نقاط الضعف المالية قد تزايدت» في البلاد. على سبيل المثال، إذا تسببت صدمة في تراجع الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.5 في المئة (بدلاً من النمو المتوقع بنسبة 4.0 في المئة)، فإنّ ذلك سيرفع نسبة الدين إلى 84 في المئة من «الناتج المحلي الإجمالي» في عام 2019، ممّا سيتطلب من الحكومة اقتراض مبالغ تتجاوز 20 في المئة من «الناتج المحلي الإجمالي» في ذلك العام وحده.إنّ هذه المخاطر الهائلة لا تتضمّن حتى مشكلة الحفاظ على نظام معاشات التقاعد في بلادٍ تتّصف بسرعة شيخوخة السكان، وعلى حد تعبير تقرير «صندوق النقد الدولي»، فإن «أكبر ثلاثة برامج من المعاشات التقاعدية (90 في المئة من النظام) عاجزة عن الدفع». ويتطلب نظامان منهما تحويلات ميزانية سنوية تعادل 1.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وسيستنفد النظام الثالث احتياطاته بحلول عام 2027.وباختصار، يُعتبر الاقتصاد الإيراني معرضاً بشدة للصدمات الخارجية، مثل انخفاض أسعار النفط أو فرض عقوبات دولية صارمة. وقد أظهرت الاحتجاجات الجماهيرية التي جرت في ديسمبر ويناير أن المواطنين يلومون النظام السياسي برمته على المشاكل الاقتصادية، وبالتالي من المحتمل أن يؤدّي تدهور الأوضاع إلى إحباط المزاج العام حتى بدرجةٍ أكبر.وعلى نحوٍ بديل، يمكن لحوكمة إيرانية أكثر كفاءة أن تتّخذ كثيراً من الإجراءات لمعالجة المشاكل الاقتصادية، بما أن الإصلاحات الضرورية معروفة تماماً ويُحتمل أن تكون تأثيراتها كبيرة. فتعديل قانون الجمارك وتحسين البنى التحتية من شأنهما أن يساهما في تحفيز الإنتاج عبر تقليص الوقت الذي يستغرقه تصريف الصادرات (25 يوماً في الوقت الحالي). وتجدر الإشارة إلى أنه حتى خطوة بسيطة كإقرار قانون مصرفي جديد، يُحتمل أن تتجنب خطر الانهيار المصرفي، خاصة إذا عملت على تأسيس نظام تأمين على الودائع وجعلت «المصرف المركزي» أقلّ عرضة للضغط السياسي. وتيرة الإصلاحات المالية شبه جامدة، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى الشلل السياسي، مع تصميم كل فصيل على حماية مكاسبه غير المشروعة حتى إذا ترك الجمهورية الإسلامية أكثر عرضة للضغط الأميركي. وإذا قررت واشنطن زيادة الضغوط الاقتصادية على إيران، فستقوم الحكومة في طهران، كما يبيّن التاريخ، بإلقاء اللوم علناً على أميركا بسبب المشاكل الاقتصادية للبلاد. ومن جهتهم، يرجّح أن يعزو الإيرانيون المشكلة إلى سياسات النظام المتشددة وعداء واشنطن على حد سواء، وبالتالي، سيعتمد التأثير السياسي للضغط الأميركي على من سيفوز بلعبة إلقاء اللائمة بين الجانبين.