دروس من الانتخابات الرئاسية المصرية
ماذا لو جعلنا المشهد الانتخابي عِلماً؟ نحلله كما لو كنا في معمل أبحاث، أو مختبر تجرى فيه عمليات كيميائية. نخرج بنتائج نضعها أمام الجميع، مسؤولين ونواباً وشعباً ومراكز أبحاث ودراسات، حتى نصل إلى عدة حقائق تكون بمنزلة برنامج حكومي خلال السنوات المقبلة.النتائج التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر للانتخابات الرئاسية الأخيرة لابد أن تدرس بعناية، إذا كانت الدولة المصرية جادة في الخروج من الاستحقاق الانتخابي بالاستفادة القصوى. الأرقام في حد ذاتها ربما لا تكون مهمة بقدر أهمية تحليلها العلمي والمعملي.الأرقام كلها لابد أن تدرس، وأقصد هنا نسبة الحضور مقارنة بعدد الهيئة الناخبة، أقصد أيضا نسبة المصوتين للرئيس عبدالفتاح السيسي الفائز بالمنصب، وكذلك رقم المصوتين لمنافسه الوحيد موسى مصطفى موسى.
أقصد كذلك عدد الممتنعين عن التصويت، وعدد من أبطلوا أصواتهم عمدا أو عن غير قصد.لابد من تحليل علمي لأكثر المحافظات تصويتا، ولأقلها. لابد من فهم طبيعة الفئات التي شاركت بقوة في العملية الانتخابية، والعكس بالنسبة للمتنعين. اهتمام مطلوب أيضا بتحليل الاختلافات التي تحدث في كل عملية انتخابية، وبالتالي فإن هذا التحليل التاريخي يسمح بالمقارنة بين مجمل السلوكيات التي شهدتها العمليات الانتخابية السابقة.الظاهرة الأبرز والأولى بالدراسة هي ظاهرة الغياب الواضح للأحزاب السياسية في مصر، فلا حملات التأييد للرئيس آتت ثمارها، والأمر نفسه بالنسبة للأحزاب التي دعت إلى المقاطعة. لم تستطع هذه الأحزاب أو تلك التأثير في اتجاهات التصويت، التي كانت واضحة قبل إعلان المواقف من قبل الأحزاب. غياب الظهير السياسي للرئيس كان كذلك من أبرز الظواهر التي لابد من تحليل تأثيرها على سير عمليات الحشد، فكان الاكتفاء بشعبية الرئيس الجارفة لدى قطاعات كبيرة من الشعب، التي أفرزت عددا كبيرا من حملات التأييد الشعبية القليلة الخبرة المتوسطة التأثير.السياسة في النهاية علم، مثلها مثل الرياضيات والفيزياء وعلم الاجتماع، لها مناهجها وآلياتها ومعطياتها، لها أساتذتها ومتخصصوها. في الولايات المتحدة مثلا، وقبل انتخابات ٢٠١٧، كانت مراكز الأبحاث والدراسات تشير إلى إمكانية فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب على الديمقراطية هيلاري كلينتون، بينما كان اتجاه الإعلام مختلفا. كانت مراكز الأبحاث تبني تصوراتها على نتائج وتحليلات علمية، أهمها تركيز ترامب على الولايات ذات الطبيعة الصناعية. الرجل غازل بشكل واضح رغبات الأميركيين في دعم الصناعة ودعم الانتماء. ظهر ذلك في شعاره الرئيسي "نحو إعادة مجد أميركا من جديد". بنى ترامب خطابه على دراسة الهيئة الناخبة بشكل علمي دقيق.تغطية الإعلام للعملية الانتخابية، ولنتائجها، تحتاج إلى مختصين لا إلى مشجعين. الأداء الذي شابه بعض القصور لابد من تحليله من أجل الخروج بنتائج تساهم في تقويم العملية الإعلامية برمتها.المكاسب التي خرجت بها الدولة من انتخابات الرئاسة كثيرة، لكنها تحتاج إلى نظرة علمية، فالحقائق العلمية لاشك ستنير الطريق نحو معرفة ما يحتاجه الشعب من السلطة، وما تتطلع إليه السلطة من الشعب.