ترابط الحضارات الإنسانية!

نشر في 07-04-2018
آخر تحديث 07-04-2018 | 00:25
 د.نجم عبدالكريم إذا تجاوزنا ما تركته لنا الحضارات القديمة في العراق ومصر، والإغريق والرومان، والحضارات الشرقية الأخرى من مأثورات فتحت لحضارتنا المعاصرة أبواباً جعلت دنيانا تحفل بكل هذا التنوع من المبتكرات والمخترعات والإنجازات، فعلينا أن نقف قليلاً أمام ما اكتسبته حضارة العرب، ثم أعادته لتنفع به البشرية حقباً من الزمن.

***

• فبفضل العرب صارت الأسراب من السفن تُقلع نحو المرافئ في العالم؛ فبحّارة البرتغال يصلون إلى شواطئ إفريقيا، ويلتفون حتى شرقها ثم المحيط الهندي، ليصلوا إلى بحر العرب، وملاحو إسبانيا يخوضون المحيط الأطلسي حتى شواطئ كوبا، وما كان لهم أن يصلوا إلى هذه المراحل المتطورة في خوض البحار لولا علم العرب الذي ترجمه الإسبان من أمثال تيفولي، وجيراردو، ودي كريمونا في طليطلة، فضلاً عن مترجمين يهود من أمثال أسرة ابن طبون في غرناطة، وابن حسداي في برشلونة، وغيرهما كموسى بن ميمون.

• فكل هذا حدث بفضل علم الفلك الذي تمت ترجمته من العربية، ويسَّر رحلات المحيطات التي استُمدت خرائطها من البتاني والزرقالي، وهما من أخذا عن الفرغاني والبيروني وابن الهيثم، والرياضيات التي اقتبسوها من الخوارزمي والتبريزي وجابر بن أفلح.

• هذا الشعاع أنار طريق أوروبا نحو العلم حتى أوصلها إلى برسيبيا- نيوتن، فظهر عهد العلم الجديد، حيث نشأت مفاهيم رياضية جديدة تناولتها أوروبا في سلسلة التوالد الحضاري، الذي مر في حقبة زمنية عند العرب.

• وعندما يمر العالم الإيطالي جاليليو أمام كاتدرائية معلق فيها مصباح ضخم من البرونز فيشرد ذهنه عن القداس أمام ذبذبات المصباح، وهي تتناقص رويداً رويداً، فقاسها بنبضات قلبه، فدُهش عندما وجد أن زمن ذبذبة صغيرة هو نفس زمن ذبذبة كبيرة، فنادى بهذا الرأي، فقوبل بالتكفير والاضطهاد!

• تلقف الفكرة العالم الهولندي كريستيان هوغنز، وأدرك أن هذا المصباح المعلق يرشده إلى دراسة "البندول"، ومن ثم يمسي قياساً للوقت، فصاغ على هذا الأساس قانونه الرياضي!

***

• نشط علم الرياضيات والبصريات في فرنسا على يد ديكارت، وفي إنكلترا على يد نيوتن، وكلها بحوث ودراسات تتصل بشكل أو بآخر ببحوث سبقهما إليها الحسن بن الهيثم، ولكنهما أظهراها إلى العالم بإخراج جديد يتناسب مع روح الحضارة الأوروبية.

• وفي عام 1453 كان عدد كبير من علماء القسطنطينية فرّوا إلى أوروبا، وهم يحملون معهم التراث الهليني وتراث الإغريق، فالتقوا مع علوم العرب التي تأسست في جزيرة صقلية، حيث غمرتها الحضارة الإسلامية أكثر من قرنين، كما التقوا مع علوم الأندلس التي روت هذه الجزيرة أكثر من 500 عام بالعلوم والفلسفة، وساعدت مطابع فينيسيا وروما على نشر هذه العلوم مترجمة إلى اللاتينية ولغات أخرى.

***

• ثم جاء العلم الحديث والنظرية النسبية، فتغيرت العديد من المفاهيم، بل النسبية نفسها خضعت للكثير من النقد العلمي الذي أظهر ما فيها من نقائص وطرح لها البدائل.

• وهكذا نرى أن سلسلة التطور الحضاري الإنساني مستمرة يوماً بعد آخر.

• لكن المؤسف والمؤلم أن الجانب الجشع من النفس البشرية قد سخّر العلم الذي يفترض أن يكون سبباً في سعادة الإنسان، فجعله من أشد أسباب التعاسات التي تعانيها البشرية يوم أخذ يتفنن في صنع الأسلحة الفتاكة.

back to top