نزار ضاهر: حملت جمال وطني إلى روسيا بحثاً عن الذات
• لوحته تتصدّر مكتبة الرئيس الروسي في الكرملين
الدكتور نزار ضاهر، نقيب الفنانين التشكيليين في لبنان، حركة لا تهدأ، فهو يعمل بلا كلل لتعزيز الأوضاع الاجتماعية للرسامين التشكيليين بلاده، ولجعل النقابة نافذة يطلون من خلالها على العالم، وإن كانت الأخيرة حديثة العهد في لبنان، إلا أنها تحقق بفضل ضاهر ومن سبقه في رئاستها خطوات مهمة على طريق تنظيم هذا الفن وقوننته، أي جعل له قوانين تحدد الحقوق والواجبات والمسؤولية المتبادلة بين الدولة والفنانين. د. نزار ضاهر، صاحب تاريخ عريق في الرسم التشكيلي لا على صعيد لبنان فحسب، بل على صعيد تبادل العلاقات الثقافية بين لبنان وروسيا، وقد ساهم بفنه بإيصال اللوحة اللبنانية إلى كبريات المتاحف الروسية، وأكثر من ذلك تصدرت لوحته مكتبة الرئيس الروسي. لذا استحق عن جدارة ميدالية بوشكين التي قلده إياها السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين في احتفال حضره حشد من أهل الفكر والفن.
منحت أخيراً ميدالية «بوشكين للثقافة والفنون» من الرئيس بوتين تقديراً لمساهماتك في تعزيز أواصر الصداقة الروسية اللبنانية، ما العلاقة التي تربطك بروسيا؟انطلقت من لبنان لأمضي اثني عشر عاماً من عمري في الاتحاد السوفياتي على مقاعد الدراسة، وفي المتاحف وصالات العرض، والمسارح ودور السينما، وفي لقاءات لا تعدّ ولا تحصى في محترفات الأساتذة والفنانين السوفيات والروس. نسجت هناك علاقة إنسانية كبيرة وكوّنت لنفسي ثقافة فنية عالية. فربطتني علاقة طيّبة وروحية مع الكثير من المثقفين والفنانين، وتعزّزت أواصر الصداقة والمحبة والاحترام المتبادل، فتراني أمام كل هذا مديناً لأناس أحببتهم وتعلّمت على أيديهم وكان لهم الفضل بصقل روحي بحب الفنون.كونك رساماً تشكيلياً ولوحاتك موجودة في الإرميتاج وفي الكرملين وفي متاحف موسكو، هل تأثرت بالإرث الفني الروسي؟الفترة التي قضيتُها في الاتحاد السوفياتي، وفي مدينة لينينغراد بالذات، والغذاء الروحي والمناخ الثقافي الذي عشت فيه وضمنه، لا بد من أن كل ذالك ترَك أثراً واضحاً في مسيرتي الفنية. وحتى يومنا هذا ما زلت أبني لوحتي وفق أسس أكاديمية متطوّرة، ولي بصمتي الواضحة في أعمالي، وذلك بمباركة أساتذتي في الأكاديمية التي تلقيت دراستي فيها. لذا ترين بعضاً من أعمالي قد حجزتُ بها مكاناً في بعض المتاحف وفي مكتبة الرئيس الروسي في الكرملين.إلى أي مدى ساهم التراكم الثقافي لديك اللبناني والروسي في ابتكارك أسلوباً في الرسم وهوية خاصة بك؟ لبناني أنا، حملت جمال وطني إلى روسيا مثابراً في البحث عن الذات. تجربتي أضاءت لي طريقاً جميلاً وضمن محطات متعددة في البحث والتجارب، من دون أن يكون هدفاً فوضوياً في البحث عن هوية خاصة يتميّز بها عملي الفني. طريق تحقيق الذات طويل وشاق، فكان زادي في بحثي عشقي لوطني وقريتي وسهلي، مما جعل بصمتي محصنة بالثقافة والعلم في الاتحاد السوفياتي.هل يمكن القول إنك استطعت بفنك إقامة جسر تواصل بين الثقافتين اللبنانية والروسية؟ لا شك في أنني استطعت، من خلال إقامتي لعدة معارض في لينينغراد وموسكو، أن أنسج علاقة ممتازة بيني وبين الجمهور اللينينغرادي، وبشكل كبير، من خلال معرضي الذي أقمته في خريف 2003، وتتويج هذا المعرض بانضمام لوحة «تلال» إلى مقتنيات متحف الارميتاج ومن بعدها في عدة متاحف روسية.لا شك في أن تبادل المعارض بيني وبين الفنانين الروس، من خلال دعوات وجهت لبعض الفنانين، من قِبَل إدارة الأكاديمية اللبنانية للفنون – ألبا - وبصفتي مستشاراً فنياً للعلاقات اللبنانية الروسية فيها، حيث أقيم أكثر من ستة معارض ولقاءات فنية وورش عمل ومحاضرات، كل ذلك ساهم في تفاعل العلاقات الثقافية بين البلدين وتمتينها. ونحن اليوم نتهيأ لاستقبال بروفسور لإلقاء محاضرة وإقامة معرض خاص وورشة عمل لطلاب الأكاديمية، وذلك خلال أبريل الجاري.
واقع الفن التشكيلي
تتولى منصب نقيب الفنانين التشكيليين في لبنان، ما هو واقع الفن التشكيلي في لبنان اليوم؟ نقابة الفنانين التشكيليين اللبنانيين تستقطب اليوم العدد الأكبر من الفنانين. وبانتسابهم إليها فإنهم يحصلون على بعض الحقوق (صندوق تعاضد وتأمين صحي). ذلك الاهتمام كان ولا يزال من خطتنا، والمطلوب التعاون في ما بيننا من خلال دعم أعمال ونشاطات النقابة. تنظم النقابة ندوات وحفلات تكريم بعض الزملاء. ولدينا أيضاً تطلعات قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى عسى أن نوفّق في تحقيقها، وأتمنى أن يكمل المسيرة مجلس النقابة الذي سيخلفنا.إلى أي مدى تساهم معاهد الرسم في الجامعات اللبنانية في تعزيز هذا القطاع وتأمين استمرارية قوية له؟ لا شك في أن معاهد الفنون في لبنان تسهم بشكل أساسي بالعنصر البشري والأفكار التي يحملها الطلاب معهم لرفع مستوى الفنون عموماً. فالجامعات تصقل موهبة الفنانين الناشئين والموهوبين. والدراسة الأكاديمية لها أهميتها في تطوير طلاب الفنون التشكيلية، لأن الموهبة وحدها غير كافية من دون ثقافة عالية. ثم الانتساب إلى نقابة الفنانين التشكيليين يتطلب حيازة شهادة جامعية في الفنون التشكيلية.نقابة الفنانين التشكيليين حديثة العهد في لبنان، فهل تلبي احتياجات الرسامين؟ لدى مجلس النقابة أفكار وتطلعات، فبالإضافة إلى صندوق التعاضدي والضمان الصحي، ثمة نقاط يعمل على تحقيقها وفق الإمكانيات، وهذا جزء منها:- إيجاد مقر للنقابة بالتعاون مع وزارة الثقافة.- تشجيع انتساب أعضاء جدد إلى النقابة.- إنجاز كتاب Album لأعمال الفنانين المنتسبين إلى النقابة بالتعاون مع وزارة الثقافة.- استكمال دعم المكتبة العائدة للنقابة بالكتب والمراجع بمساهمة من الفنانين وأصدقائهم.- التأكيد على أهمية إقامة متحف وطني، ومشاركة الفنانين فيه بأفضل أعمالهم.- العمل على إنشاء بيت الفنان لتأمين مساحات لعمل الفنانين الذين يعجزون عن تأمين محترفات خاصة بهم.احتفل لبنان في 26 فبراير باليوم الوطني للفن التشكيلي، كيف نشأت فكرة هذا اليوم وما الهدف منه؟لا ندّعي أننا ابتكرنا هذه الفكرة الراقية وهذا التقليد الجميل، ولكننا نعمل على تطويره، والهدف منه جمع الفنانين التشكيليين في بوتقة واحدة لطرح أمور تتعلّق بالنهضة بالنقابة، وإيجاد حلول مناسبة للعديد من المشاكل، وأشدها إلحاحاً إيجاد مقر أو بيت للنقابة، وهذا ما يقلق مضاجعنا.حضور ورسالة
يركز د. نزار ضاهر في لوحاته على رسم الطبيعة، فأي واحدة تطغى على الأخرى الطبيعة الروسية أو اللبنانية؟ يجيب: «لم أختر الطبيعة لأرسمها ولعل العكس، الطبيعة اختارتني لأن أكون لها رسولاً وأنا ابن بيئتي، ورغم أن مقولة «الفنان ابن بيئته» لا تزال قائمة، فالفنان أصبح عالمياً ولكنه يبقى أمام السؤال الصعب: إلى أية بيئة أنتمي؟ حيث ولدتُ أو حيث نشأتُ وتثقفتُ وترعرعتُ؟»حضور الإنسان في لوحات ضاهر ينبض في الخط واللون وشفافية اللوحة، فهل أراده في لوحاته يشبه الحلم، كي لا يتلطخ بالواقع؟ يوضح في هذا السياق: «افتعال للإنسان في تأليف اللوحة للمشهد الطبيعي هو أمر غير مجد وغير ضروري، وإني أرى العكس في ذلك. فقد يشعره المشهد الطبيعي، لدي خاصة، حيث أكون أنا من «يخلق» المشهد، فلا أرى له مكاناً. وعندما يكون الأمر متعلّقاً بالإنسان فإني لا أتوانى عن رسمه، فلا أزجّه زجاً، فيكون التأليف مفتعلاً ولست بهذا الصدد. فكم من أناس شوّهوا الطبيعة وأتلفوا وقطعوا».أخيراً يشير إلى أن لوحاته تعكس انفعالاته وتناقضاته وشخصيته، ويقول: {بني» في معالجتي المشهد الطبيعي يكون المشهد هو مشهدي بكل حالاتي النفسية. فكم من مشهد للزهور ذابلة في إنائي... إنها حالة نفسية، وكم من سماء ملبّدة غاضبة، إنه مزاجي، وكم من هدوء في لوحات أخرى، وكم من رؤى جميلة وسماء صافية وأبعاد، إنها ليست أبعاداً جغرافية، إنها أبعاد روحية وآمال وأحلام».
لوحة «تلال» تنضم إلى مقتنيات متحف الأرميتاج
تبادل المعارض مع الفنانين الروس ساهم في تفاعل العلاقات الثقافية بين البلدين وتمتينها
تبادل المعارض مع الفنانين الروس ساهم في تفاعل العلاقات الثقافية بين البلدين وتمتينها