منذ انطلاقته الأولى في مايو 1974 لم تتوقّف الرابطة الثقافية في طرابلس عن تنظيم معرض الكتاب، حتى في أحلك الظروف التي واجهت المدينة، «إيماناً منها بجلال الكلمة قدوة للجميع في فتح أبواب الثقافة أمام الناس»، على حد تعبير رئيس الرابطة رامز الفري، فأضحى حدثاً سنوياً في إطار الحياة العامة في طرابلس والشمال، وتظاهرة ثقافية اجتماعية اقتصادية مميزة تعكس خلاصة وافية للنتاج الحضاري الإنساني في الميادين كافة، وتتيح فرص اللقاء والتداول حول رؤى وأفكار ومواضيع، فضلاً عن أنشطة ثقافية متنوعة مواكبة للمعرض.

Ad

نشاطات

يغلب على نشاطات المعرض هذا العام طابع الندوات حول الروايات والأمسيات الشعرية التي تكاد تكون يومية، ولا شك في أن ذلك يعكس مدى ازدهار الرواية والشعر في الحياة الثقافية اللبنانية في السنوات الأخيرة وكمّ الإصدارات الروائية والشعرية، ويحتضن المعرض تواقيع يومية لعشرات منها.

تحلّ الشاعرة التونسية ماجدة الظاهري ضيفة شرف في الأمسية الشعرية التي ستقام مساء غد الثلاثاء وتشارك فيها مجموعة من الشعراء اللبنانيين. كذلك من أبرز نشاطات المعرض حفل الاتحاد العربي للمرأة المتخصصة (12 أبريل)، و«مهرجان أفق الإبداع» بالتعاون مع جمعية بيت الآداب والعلوم (13 أبريل)، وإحياء يوم الأسير الفلسطيني بالتعاون مع الشبكة الدولية من أجل فلسطين، واللقاء الوطني الشمالي وجمعية الوفاق الثقافية (14 أبريل).

كانت أقيمت على هامش المعرض ندوة حول كتاب «بحر الخلفاء تاريخ المتوسط الإسلامي» ترجمة الدكتور جان جبور، وندوة أخرى بمناسبة يوم الأرض، شارك فيها الدكتور زكي جمعة، والدكتور صفوح يكن، وعلي بركة، وأدارها عماد العيسى.

واقع مؤلم

في خلال حفلة افتتاح المعرض، أكّد النائب سمير الجسر، ممثلاً رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أن هذه الرابطة لا تزال تؤدي دوراً ثقافياً في تاريخ المدينة، إضافة إلى دورها الوطني الكبير، خصوصاً في فترات الحرب الأهلية، حيث كانت الحاضنة للتجمع الوطني للعمل الاجتماعي الذي رعى مصالح المدينة وأهلها يوم غابت الدولة عن ذلك بفعل الحرب.

أضاف: «معرض الكتاب، هذا (44) الذي دأبت إدارة الرابطة على التمسك بإحيائه حتى إبان فترة الحرب الأهلية بما حملت من صعوبات ومشقات، إنما يعكس عزيمة أهل الرابطة وإدارتها على الخيار الثقافي نهجاً للحياة في هذه المدينة التي اتهمت واتهم أهلها زوراً بالتطرف».

عرض الجسر في كلمته واقع القراءة في العالم العربي وأشار إلى أن كل 80 شخصاً من العالم العربي يطالعون كتاباً واحداً في السنة، في المقابل يقرأ المواطن الأوروبي نحو 35 كتاباً والمواطن الإسرائيلي 40 كتاباً في السنة. وجاء في تقرير «مؤسسة الفكر العربي» أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً بينما يقرأ الأوروبي بمعدل 200 ساعة سنوياً، لافتاً إلى أنه لو أردنا ترجمة هذه الأرقام إلى معادلة أخرى لوجدنا أن ما يقرأه الأوروبي في سنة يحتاج إلى 2800 عربي لقراءته في الوقت نفسه، وما يقرأه الإسرائيلي في سنة يحتاج إلى 3200 عربي لقراءته في سنة أيضاً.

وتابع الجسر: «وإذا كان متوسط أوقات القراءة في لبنان متقدماً عن بقية الدول العربية فالفضل يعود إلى أمرين: مستوى الحريات في لبنان أولاً والقراءة الإلكترونية ثانياً، خصوصاً تلك التي تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي.. لكن ما يثير مخاوفي هو ما ينقل على وسائط التواصل الاجتماعي.. بدايةً أريد أن أقول إن التواصل هو أن يقوم الإنسان بالاتصال بالآخر بجو من الوئام والمحبة.. وإن ما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الزمن، خصوصاً في مواسم الانتخابات، هو تنابذ بكل ما للكلمة من معنى.. فبدلاً من أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لنقل ونشر القيم والمعلومات والمعرفة والكلام الطيب إذا بها وسيلة لنقل التهم والافتراءات والتشهير».

حال الترجمة

توقّف الجسر حول واقع الترجمة في العالم العربي فذكّر بأن النهضة العربية الأولى قامت بدايةً على الترجمة، كذلك النهضة العربية الثانية في منتصف القرن التاسع عشر. ورأى أن حال الترجمة في العالم العربي اليوم بحسب تقرير اليونسكو هزيلة للغاية، ما يترجم سنوياً في العالم العربي مجتمعاً يبلغ خمس ما يترجم في اليونان الصغيرة وحدها. والحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر الخليفة العباسي المأمون إلى العصر الحالي تقارب عشرة آلاف كتاب، وهذا العدد يساوي ما تترجمه أسبانيا في سنة واحدة. 

وأوضح أنه في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي كان متوسط الكتب المترجمة في العالم العربي على مدى خمس سنوات خمسة كتب لكل مليون مواطن، أي أقل من كتاب في السنة لكل مواطن عربي، بينما بلغ متوسط الترجمة في هنغاريا 519 كتاباً في السنة لكل مليون مواطن وفي اسبانيا 920 كتاباً لكل مليون. 

رغم هذه الأرقام المأساوية التي تعكس حال الضعف والهوان في الأمة التي كانت في زمن ما قِبلة العلم والمعرفة، أكد الجسر «أننا نستطيع اللحاق بركب الحضارة والعلم والتقدم والثقافة، لكن علينا أن نأخذ بالأسباب». وأضاف أن وسائل التكنولوجيا من شأنها تسهيل الوصول إلى المعلومات وإلى مصادر العلم والثقافة بلمح البصر، كما قد تكون وسيلة مهمة وسريعة لأعمال الترجمة».

ورش عمل

اقترح الجسر إقامة ورش عمل تبحث فيها المشاكل وتوضع لها الحلول تتبعها محطات قياس لأثر التدابير وفاعليتها لتصويب مستمر لمسيرة الثقافة على أن تستتبع بإنشاء أندية تساعد على تشجيع القراءة بين الصفوف الناشئة وتنميتها. وقال: «إعادة النظر في المناهج التربوية أمر واجب بحيث تتضمن إلزامية التشجيع على القراءة وعلى أن تكون علامات المكافأة على القراءة مضاعفة. علينا أن ننشر ثقافة التفاؤل ثقافة «ان بشِّروا ولا تنفروا».