يبدو لي أن مجلس الأمة الحالي يعاني مشكلة حقيقية تحول دون أي إنجاز حقيقي له، فلم ينجح الذين وعدوا بإعادة "الجناسي" المسحوبة في تحقيق وعدهم، كما لم تنجح الصفقة المعنية بذلك حتى الآن، واقتراح قانون العفو الشامل اصطدم بعدم الدستورية كما رفضه مجلس القضاء في رسالته للمجلس، وقانون تعارض المصالح تبين أنه يعاني أخطاء قانونية ودستورية كارثية، بالإضافة إلى أنه كسائر القوانين الجزائية لا يمكن تطبيقه بأثر رجعي، وكذلك خسر المجلس قضيته الدستورية بشأن نائب الرئيس، ولم يستمع إلى آراء الناصحين بعدم أحقية هذه القضية لأن انتخاب نائب الرئيس كان صحيحاً دستوريا، ولم ينجح المجلس في إيقاف الهدر أو الحد منه فوصل الصرف في الميزانية القادمة إلى رقم قياسي هو الأعلى في تاريخ الكويت. أما القانون الضريبي الوحيد الذي أقرته اللجنة المالية فلم يتبنَّ شريعة الزكاة في الإسلام، بحيث يقصد الأثرياء وأصحاب الدخول العالية والمناقصات المليارية، إنما قصد الفئة الأضعف في المجتمع وهم الوافدون، ولم توضع الضريبة أو الرسم على الخدمات التي تقدم لهم إنما على تحويلاتهم من مالهم الخاص، مما أدى إلى صدور فتاوى شرعية ضدها، كما لم يستطع المجلس اكتشاف قضية فساد واحدة أو التعامل مع واحدة من قضايا عديدة تناولتها ألسنة المجتمع ودواوينه.
ومن ناحية أخرى لم يتصدَّ المجلس للكثير من مشكلات البلاد، وأهمها إقبال مئات الآلاف من الشباب إلى سوق العمل خلال سنوات قليلة، وقضية الإصلاح الاقتصادي وتحرير الأراضي، ومكافحة السيطرة والاحتكار، وتطبيق القوانين المجمدة، وعدم الاعتماد على مصدر وحيد للدخل، وسوء الإدارة وغير ذلك مما ستواجهه البلاد من أزمات خطيرة في فترة وجيزة قادمة. وأسباب هذا الإخفاق كثيرة أهمها الصراع الذي نشأ أثناء معركة الرئاسة وبعدها، بالإضافة إلى قلة الخبرة والكفاءة، وتعارض الأهداف والمنطلقات بين النواب، وإلى إغراء الناخبين بوعود ليس في استطاعتهم تحقيقها. وفي رأيي كان على الأعضاء قلب صفحة الرئاسة بعد انتخاب الرئيس ونائبه، ووضع أولويات يمكن تحقيقها، والعمل بكل وسائلهم وأدواتهم البرلمانية لاكتشاف الفساد والهدر ومكافحتهما، فهذان الموضوعان يمكن جمع كلمة النواب عليهما إذا أحسن العمل فيهما، واللجوء إلى الشريعة الإسلامية في التشريع كما نص الدستور سواء بفرض التكاليف والرسوم على الأغنياء أو في موضوع الحريات، والتسلّح بالفهم الدستوري السليم عند اقتراح أو إقرار أي قانون جديد، وذلك بالعودة إلى المختصين المشهود لهم بالعلم والأمانة، كما كان عليهم انتظار حكم محكمة التمييز في قضية سجن النواب. الشاهد أن هذا تحليل لمجريات عمل المجلس قرابة دورتين تشريعيتين أخذ بالاعتبار ظاهر أعماله، أما إذا كانت هناك صراعات أو ولاءات أو صفقات سياسية لا نعلمها وراء هذا الإخفاق، وأن في الفخ ما هو أكبر من الطير، فالله أعلم بها والأيام كفيلة بجلائها.
مقالات
رياح وأوتاد: إخفاقات مجلس الأمة
09-04-2018