الصين ليست صديقة الولايات المتحدة
يشكّل إعلان الصين تهديدها بفرض رسوم جمركية على منتجات زراعية وصناعية أميركية بقيمة 50 مليار دولار (في رد على إعلان الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على منتجات صينية بقيمة 50 مليار دولار) إشارة أخرى إلى أن الصين والولايات المتحدة ستخوضان لا محالة معركة شاملة من أجل النفوذ والسلطة العالميين خلال السنوات المقبلة.من الواضح أن إدارة ترامب سلمت جدلاً بواقع ما زال كثيرون منا في مجتمع الأمن القومي يجادل بشأنه منذ زمن طويل: الصين ليست صديقة الولايات المتحدة، على العكس تمثّل منافساً جيوسياسياً، واقتصادياً، ودبلوماسياً شرساً، وتزداد منافستنا معه حدة.لطالما كان الصدام بين واشنطن وبكين محتماً، لكن هذا الصراع أُرجئ مراراً، ففي خمسينيات القرن الماضي والجزء الأكبر من ستينياته، أشار المعلقون الأميركيون إلى بكين بعبارة "بكين الحمراء" أو "الصين الشيوعية"، وكانت هذه الأمة حليف الاتحاد السوفياتي السابق، ولم تُعتبر صديقاً لواشنطن، كذلك خشينا أن تنشر الصين الشيوعية في مختلف أنحاء آسيا، فتسقط الدول في المدار الصيني كما لو أنها أحجار دومينو.
لم تصبح العلاقات الأميركية-الصينية ودية إلا بعد زيارة نيكسون للصين عام 1972 في محاولة منه لتبديل ميزان القوى ضد الاتحاد السوفياتي، إلا أن هاتين الدولتين لم تقيمَا علاقات دبلوماسية كاملة حتى عام 1979.ولكن لطالما شاب الروابطَ الأميركية-الصينية خطبٌ ما، فلو سألت أي خبير في استراتيجيات الأمن القومي آنذاك لأخبرك أن هذه الروابط تقوم على محاولة احتواء الخطر السوفياتي، وأنها ستعود إلى مرحلة أكثر تنافساً إذا هُزمت موسكو.بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ببضع سنوات كانت الصين والولايات المتحدة تتصارعان على مصير تايوان خلال فترة طويلة من التوتر بين عامَي 1995 و1996.كانت تايوان عاقدة العزم على أن تصبح ديمقراطية، فاعتبرته الصين خطراً وجودياً، لذلك نفذّت الصين تدريبات عسكرية واسعة النطاق بهدف ترهيب تلك الأمة (الجزيرة)، فردت واشنطن بإرسالها مجموعات حاملات طائرات إلى المنطقة بغية ضمان سلامة تايوان والتأكيد لبكين أن واشنطن ستحمي حليفتها. صحيح أن الصين تراجعت، غير أن المسؤولين الصينيين استشاطوا غضباً لأنهم علموا أنهم لا يملكون أي وسيلة لمواجهة القوة العسكرية أو الاقتصادية الأميركية في صراع مطوّل، إذ كان الجيش الصيني ضعيفاً جداً، حتى إنه كان سيعجز عن تحديد مواقع تمركز حاملات الطائرات الأميركية في البحر المفتوح على مقربة من الساحل الصيني.علاوة على ذلك اجتمعت التطورات الأخيرة لإرجاء تنافس هاتين القوتين العظميين، فالتطور الأول هو الاعتداءات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إذ دفعت هذه الاعتداءات إدارة جورج بوش الابن إلى الانتقال مما اعتُبر آنذاك إعادة نظر في العلاقات الأميركية-الصينية إلى حربَي أفغانستان والعراق.إذاً، يجب ألا نتعجب بالتأكيد من الأحداث التي نشهدها اليوم بين الولايات المتحدة والصين، ولا شك أن هذه الأحداث ستصبح أكثر خطورة بكثير في السنوات القادمة.نظراً إلى أن هاتين الأمتين تقفان عند طرفَي نقيض في الصراع الإقليمي حول مسائل مثل مَن يسيطر على بحرَي الصين الجنوبي والشرقي، وتايوان، ومصير برنامج كوريا الشمالية النووي، وملايين الوظائف وتبادلات تجارية بقيمة مئات المليارات، لذلك ينبغي أن نستعد للواقع الجيوسياسي والاقتصادي الكامن أمامنا، فالوقائع واضحة: صارت الولايات المتحدة والصين اليوم عدوين، وما من سبيل إلى العودة إلى الوراء.* هاري ج. كازيانيس*«فوكس نيوز»