روسيا... ودرس أفغانستان!
في ظل كل هذه الأوضاع المربكة وتداخل الألوان بالنسبة للمشكلة السورية، التي تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم، لا بل بالنسبة للمنطقة كلها، لا يمكن النظر إلى إصرار الأميركيين على مغادرة قواتهم سورية إلا من زاوية واحدة، وهي المزيد من إغراق الروس في هذا المستنقع الذي بدأوا يغرقون فيه، وحيث إن كل انتصاراتهم العسكرية لا تزال تدور في حلقة مفرغة، فالحسم النهائي من الواضح أنه غير ممكن على المدى المنظور، وهذا البلد الذي أدخله نظامه، وساعدته في ذلك موسكو، في مأزق شديد التعقيد، أصبح ميدان صراع إقليمي ودولي، إضافة إلى صراعاته الداخلية التي أخطرها هذا الصراع الطائفي الذي لم يبدأ في عام 2011 بل في عام 1970، عندما سيطر حافظ الأسد على الحكم بانقلاب عسكري، كان أعد له خلال سنوات طويلة.لا يوجد تفسير مقنع سوى هذا التفسير، فالمفترض أن هذه المنطقة، التي تقع سورية في قلبها، منطقة مصالح حيوية للولايات المتحدة، ولذلك فإن إصرار الأميركيين على الانسحاب العسكري منها، وتركها للروس والمتدخلين الآخرين، لا يمكن فهمه إلا على أن وراءه "مؤامرة" عنوانها المزيد من إغراق روسيا الاتحادية، التي تعاني من أوجاع اقتصادية كثيرة، في هذا الوحل المستنقعي الذي إن استمرت في عنادها فإنها ستغرق فيه لا محالة، وعندها فإن كل "أفاعي" المعارضة الروسية ستخرج من جحورها، وسيكون الخاسر الرئيسي هو الرئيس فلاديمير بوتين، الذي تمادى في غيّه وأوهامه أكثر من اللزوم.
لقد بدأت الولايات المتحدة حربها الاقتصادية ضد روسيا التي، إضافة إلى مشكلة سورية، تواجه مشاكل كثيرة في القرم وأوكرانيا وبعض دول البلطيق، وهذا إضافة إلى مشاكلها الداخلية الكثيرة التي من المؤكد أنها ستزداد تفاقماً إذا "صدقت" حسابات الأميركيين، فالمثل يقول "عندما تقع البقرة يكثر السلاخون"، وحقيقة إن ليس كل فمعظم دول الاتحاد الروسي تنتظر هذه اللحظة على أحر من الجمر، إذ إنها وجدت نفسها في "تبعية" أسوأ كثيراً من تبعيتها للاتحاد السوفياتي الذي كان نسخة أشد وطأة من النسخة القيصرية بالنسبة للقوميات غير الروسية... وبالنسبة للمسلمين على وجه التحديد.إن المؤكد أنه إذا انسحب الأميركيون عسكرياً من سورية فإن انسحابهم، إن هو حصل بالفعل، سيكون لحساب خطة بديلة والخطة البديلة، كما هو متوقع، هي المزيد من إغراق الروس في هذا المستنقع السوري، الذي باتوا يغرقون فيه كما غرقوا في المستنقع الأفغاني في عهد الاتحاد السوفياتي، الذي لم يكن عظيماً ولا هم يحزنون، والذي كانت "غزوته" الأفغانية بداية انهياره المأساوي، بعدما كان في فترة من الفترات قد أوصل نفوذه وصواريخه إلى كوبا على بعد خطوات قليلة من المجال الحيوي للإمبراطورية الأميركية.كان على فلاديمير بوتين، الذي كان أحد ضباط جهاز "كي جي بي" المرموقين، أن يستفيد من هذا الدرس السوفياتي المكلف، وعليه فإنه إذا كان يراهن على قاعدة "حميميم" فإن المفترض أنه يعرف أن أفغانستان كلها كانت قاعدة سوفياتية، ومع ذلك فعندما جاءت لحظة الحقيقة فإن القوات السوفياتية قد انسحبت من هذه الدولة الإسلامية تحت ضربات العديد من التنظيمات الجهادية وبدون أي مشاركة عسكرية أميركية مباشرة... والواضح أن هذا هو الذي تريده أميركا وتسعى إليه بالنسبة لسورية.