مع حلول ذكرى الضربة الأميركية لقاعدة الشعيرات العسكرية في حمص بنحو 59 صاروخ «توماهوك» عقاباً على استهداف مدينة خان شيخون في ريف إدلب بالسلاح الكيماوي في أبريل الماضي، غرقت شوارع مدينة دوما بغوطة دمشق الشرقية بجثث القتلى والمصابين من جراء غارات بالغازات السامة.

ووثقت منظمة «الخوذ البيضاء» والشبكة والمرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، مقتل ما لا يقل عن 100 مدني اختناقاً، وإصابة ما لا يقل عن 860، أغلبهم نساء وأطفال، من جراء هجومين لقوات الرئيس بشار الأسد بفارق ثلاث ساعات في دوما الأول استهدف المنطقة الواقعة قرب فرن سعدة في شارع عمر بن الخطاب، والآخر بالقرب من ساحة الشهداء في منطقة نعمان.

Ad

وبعد الهجوم بغاز الكلور، الذي اتهمت «الخوذ البيضاء» والجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز) و«جيش الإسلام» وائتلاف المعارضة قوات النظام بشنه، وقتل نحو 70 وإصابة أكثر من 500 بالاختناق، بدأت أمس مفاوضات مباشرة بين الحكومة و«جيش الإسلام» للتوصل إلى اتفاق يحدد مصير مدينة دوما.

اتفاق جديد

وأعلن مصدر سوري رسمي التوصل إلى اتفاق لإخلاء مدينة دوما، موضحاً أنه ينص على «خروج كامل إرهابيي جيش الإسلام إلى جرابلس (شمال) خلال 48 ساعة».

ونقلت وكالة «سانا» للأنباء عن المصدر أن «جيش الإسلام استجدى طوال ليل أمس وقف العمليات العسكرية، وطلب إرهابيوه التفاوض والدولة وافقت على التفاوض المباشر»، موضحاً أن أحد أسباب موافقة الحكومة هو إخراجهم إلى جرابلس، مركز ثقل الفصائل الموالية لتركيا في شمال سورية.

وفي وقت سابق، أعلنت اللجنة المدنية المشاركة في المفاوضات مع الجانب الروسي «وقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات، مع ترجيح التوصل إلى اتفاق نهائي»، في خطوة لم تمنع قوات النظام من استهداف دوما بضربات جوية عدة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان».

ضربات محتملة

وبينما سارعت دمشق إلى نفي الهجوم بالغاز، معتبرة الاتهامات الموجهة لها باستخدام تلك الأسلحة «فبركات ومسرحيات»، وصفت ​وزارة الخارجية الروسية​ الهجوم الجديد بأنه استفزازات سبق أن حذرت منها، مؤكدة أنها تهدف إلى حماية الراديكاليين وتبرير ضربات محتملة على ​سورية​ من الخارج.

وشددت «الخارجية الروسية»، في بيان، على أن «اتخاذ أي عمل عسكري بناء على هذه الحجج المختلقة والملفقة» قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مضيفة: «حذرنا مراراً وتكراراً في الآونة الأخيرة من مثل هذه الاستفزازات الخطيرة. الهدف من مثل هذه التخمينات المخادعة هو حماية الإرهابيين، وتبرير الاستخدام الخارجي للقوة».

وقبلها، قال رئيس المركز الروسي في قاعدة حميميم الجوية الجنرال يوري يفتوشينكو: «نحن مستعدون فور تحرير دوما من المسلحين لإرسال خبراء روس لجمع المعلومات التي ستؤكد أن هذه الادعاءات مفبركة».

ولاحقاً، أكد يفتوشينكو استئناف عملية إخراج مقاتلي «جيش الإسلام المتصلبين في مواقفهم» من جيب دوما المحاصر في الغوطة الشرقية.

محاسبة الأسد

وبعد تهديد الولايات المتحدة السابق مع فرنسا بشن ضربات في حال توافر «أدلة دامغة» على استخدام دمشق السلاح الكيماوي مجدداً، لم يستبعد مستشار البيت الأبيض للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب توماس بوسرت شن ضربة صاروخية ردا على هجوم دوما، مؤكداً أنه «حالياً تتم دراسة الحدث وصوره المروعة».

وفي وقت سابق، شددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت على أن «نظام الأسد وداعميه يجب أن يحاسبوا، وأي هجمات أخرى يجب أن تمنع فوراً»، مكررة الاتهامات لموسكو «بخرق التزاماتها حيال الامم المتحدة كجهة ضامنة»، وشككت في التزام الكرملين إنهاء الأزمة.

رد وإدانة

وبينما أعرب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عن بالغ قلقه من ورود تقارير عن حالة جديدة لاستخدام السلاح الكيميائي في مدينة دوما بغوطة دمشق الشرقية، اعتبرت إيران الحليفة الكبرى للأسد، أن الاتهامات الموجهة إلى النظام بشن هجوم كيميائي في دوما «مؤامرة جديدة» ضد دمشق.

وإذ دانت وزارة الخارجية التركية بشدة استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما، مؤكدة وجود «شبهات قوية في أن النظام بسجله المعروف للمجتمع الدولي، هو منفذ الهجوم»، أملت ألا يمر الهجوم الجديد دون محاسبة هذه المرة أيضاً. بدوره، عبر مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية عن القلق البالغ وإدانة المملكة الشديدة للهجوم الكيماوي «المروع» على دوما، داعياً إلى ضرورة إيقاف هذه المآسي، وانتهاج الحل السلمي القائم على مبادئ إعلان «جنيف 1» وقرار مجلس الأمن رقم 2254، مع ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه حماية المدنيين في سورية.

أدوات الإبادة

وفي ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، قال البابا فرنسيس، أمام آلاف المصلين: «تأتينا أخبار مروعة من سورية حيث سقط عشرات الضحايا بينهم الكثير من النساء والأطفال، وتأثر كثيرون بتداعيات المواد الكيماوية في القنابل» الملقاة على سكان دوما، مضيفاً: «ليس هناك حرب جيدة وسيئة، ولا شيء، لا شيء يمكن أن يبرر استخدام هذا النوع من أدوات الإبادة ضد أشخاص وشعوب عزل».

من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى وقف المعارك في دوما والعودة إلى الهدوء، مشيرا إلى أن أي استخدام لأسلحة كيماوية، في حال تأكد، سيكون مشيناً ويستوجب تحقيقاً معمقاً.