تجار العملات الرقمية يسعون لاجتذاب استثمارات إسلامية

علماء الدين يتدارسون «الافتراضية» وارتباطها بالزكاة والميراث

نشر في 09-04-2018
آخر تحديث 09-04-2018 | 00:04
No Image Caption
في سوق الذهب القديم في دبي تدور المساومات بين الزبائن والباعة حول أثمان الأساور والقلادات. وفي موقع آخر في الإمارة، مركز تجارة الذهب الرئيسي في المنطقة، تؤدي سبائك الذهب دوراً جديداً في الهندسة المالية.

بدأت شركة "وان غرام" في دبي، التي أسست العام الماضي نشاطاً جديداً إصدار عملة رقمية مدعومة بالذهب في إطار الجهود الرامية لإقناع المسلمين بأن الاستثمار في العملات المشفرة لا يتعارض مع الدين.

فقد امتد الاهتمام العالمي الكبير بالبتكوين والإثريوم وغيرهما من العملات المشفرة إلى منطقة الخليج وجنوب شرق آسيا المركزين الرئيسيين للتمويل الإسلامي.

غير أنه ليس من السهل التوفيق بين تلك العملات والإسلام لأنها من منتجات الهندسة المالية وموضع مضاربة. فمبادئ الشريعة تركز إلى جانب تحريم الفائدة على النشاط الاقتصادي الحقيقي القائم على أصول ملموسة وتحرم المضاربة بالأموال. وأطلق ذلك نقاشاً بين علماء الدين ما إذا كانت العملات الرقمية حلالاً. وتسعى شركات العملات المشفرة للتأثير في هذا النقاش الدائر بإطلاق أدوات قائمة على أصول ملموسة وتحظى بموافقة علماء الدين على سلامتها.

وكل وحدة من عملة و"ان غرام" الرقمية يدعمها على الأقل غرام واحد من الذهب المخزون في قبو. والفكرة هي الحد من المضاربة.

وقال إبراهيم محمد البريطاني الجنسية الذي أسس الشركة مع مستثمرين آخرين في العام الماضي "كان الذهب من أوائل أشكال النقود في المجتمعات الإسلامية، لذلك فهو مناسب".

وأضاف "نحن نحاول إثبات أن قواعد الشريعة تتوافق كاملة مع تكنولوجيا سلسلة الكتل "بلوك تشين" الرقمية".

وصدر من هذه العملة حتى الآن ما قيمته عشرات الملايين من الدولارات. ولم يتم حتى الآن بيع حوالي 60 في المئة من عدد العملات المقرر صدورها. وتأمل شركة "وان غرام" إصدار العملات كلها قبل إدراجها في البورصات في أواخر مايو المقبل.

وحصلت شركة "وان غرام" على فتوى بأن عملتها الرقمية متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية من مجموعة المعالي للاستشارات في دبي.

والمعالي واحدة من عدة مؤسسات استشارية في مختلف أنحاء العالم تبت فيما إذا كانت الأدوات المالية تفي بمعايير الشريعة.

وفي ماليزيا أطلقت شركة هالوغولد عرضاً مبدئياً من عملتها الرقمية المدعومة بالذهب في أكتوبر وحصلت على موافقة عليها من علماء الدين بمؤسسة أماني الاستشارية في كوالالمبور.

وقال مانويل هو مدير التسويق في هالوغولد، إن عملة شركته إسلامية لأن المعاملات تحدث خلال فترة محددة مما يجعلها أقل تقلباً ويعالج مشكلة غموض التسعير.

ومن التجارب الأخرى أجرت مؤسسة سلسلة الحلال ومقرها الإمارات عرضا مبدئياً لإصدار عملة في ديسمبر ترتبط ببيانات عن السلع الحلال.

لجان الشريعة

يتفق ما يتراوح بين 20 و30 في المئة فقط من النشاط المصرفي في الخليج وجنوب شرق آسيا مع مبادئ الشريعة الإسلامية. ويستخدم كثير من المسلمين التمويل التقليدي إذا ما أتاح لهم عوائد أعلى أو سهولة أكبر.

غير أن مسألة الحلال والحرام لها اعتبار كبير وقد تحدد ما إذا كانت الأموال أو المؤسسات الإسلامية الملتزمة بمبادئ الشريعة ستتعامل في العملات الإلكترونية.

وقال زياد محمد من إتش.إس.بي.سي أمانة في ماليزيا: "من أكبر المصاعب كثرة ما يجب مناقشته وقلة اليقين في أسلوب انتشار العملات الرقمية".

ويرأس محمد لجنة الشريعة في المؤسسة والتي تشرف على المعاملات الإسلامية.

ولم تصدر السلطات الدينية على المستوى الوطني فتاوى فيما إذا كانت العملات الرقمية حلالاً، وفي حين أن بعض المؤسسات العالمية توصي بمعايير التمويل الإسلامي، فليس في يدها سلطة فرض هذه المعايير. ويبدو أن حكومات كثيرة تحاول إمساك العصا من المنتصف إذ تخشى احتمال حدوث هزة للاستقرار لكنها في الوقت نفسه لا تريد فقدان فرصة الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة.

وقد حذر المصرفان المركزيان في السعودية والإمارات مواطنيهما من مخاطر التعامل في البتكوين لكنهما لم يفرضا حظراً مباشراً على تلك العملة.

ويترك ذلك للمستثمرين الإسلاميين حرية الاختيار بين فتاوى علماء الدين بالمؤسسات الاستشارية والشركات المالية والمؤسسات الأكاديمية والتي قد يتضارب بعضها أحياناً.

وصدرت واحدة من أوائل الفتاوى عام 2014 عندما اعتبر منذر كهف، الأكاديمي، الذي يعمل في كاليفورنيا وهو من أصحاب الدراسات البارزة في التمويل الإسلامي، البتكوين وسيطاً شرعياً للتداول وإن كان عرضة للتلاعب.

وقال محمد إنه منذ ذلك الحين أصدر فقهاء إسلاميون في جنوب إفريقيا فتاوى تحلل العملات الرقمية، وقالوا إنها أصبحت مقبولة اجتماعياً وشائعة الاستخدام.

لكن مركز دار الإحسان في دربان أحجم في أكتوبر عن إقرارها استناداً إلى مخاوف من استخدامها في عمليات احتيال. ووصفها بعض العلماء في تركيا والهند وبريطانيا بأنها حرام وأعلن مفتي مصر في يناير أنه يجب منع تداولها.

وقال فروخ حبيب مسؤول البحوث في الأكاديمية الدولية لأبحاث الشريعة في التمويل الإسلامي ومقرها ماليزيا، إن من العوامل التي تعقد النقاش الدائر وجود مئات من العملات الرقمية لكل منها خصائصها الخاصة فيما يتعلق بانتشارها واستخراجها وتداولها.

وقال حبيب "كما أنها مختلفة غاية الاختلاف من حيث السلع الأساسية والمشروعات أو الأنشطة التي ترتبط بها ولذلك فليس من المناسب صدور فتوى شرعية واحدة للكل".

ويشارك حبيب في مشروع لتصنيف العملات المشفرة بناء على معايير التزامها بمبادئ الشريعة.

وأضاف "أغلب الفتاوى الشرعية الحالية تتعامل إما مع البتكوين فقط أو تشمل كل أنواع العملات الرقمية بغض النظر عن خصائصها الخاصة".

* تعقيدات

قال هاريس إفران العضو المنتدب في قرطبة كابيتال في لندن، إن مشكلة أخرى تتمثل في أن العديد من علماء الشريعة يجدون صعوبة في فهم تعقيدات العملات الرقمية.

وحذر إفران من قبول أي فتاوى من رجال الدين في المجتمعات في موضوع فقه المعاملات وهو مجال شديد التعقيد في الشريعة".

ويرأس إفران هيئة التكنولوجيا المالية الإسلامية في بريطانيا، وهي التي تتولى وضع توجيهات اعتماد منتجات التكنولوجيا المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بما فيها العملات الرقمية.

وقال محمد إن ثمة قدراً من الاتفاق ظهر على المستوى العالمي، على أن العملات الرقمية شكل من أشكال المال مما يمثل خطوة صوب قبولها.

غير أن علماء الشريعة لم يحسموا الرأي حتى الآن، فيما إذا كانت العملات الرقمية عملات فعلياً. وهذا مهم لدفع الزكاة وللمواريث.

وأضاف أنه لا يوجد توقيت محدد لذلك لكن المجمع سيسعى أيضاَ لتنظيم ندوات مع العلماء لبحث هذه المسألة.

back to top