ما الذي أهّلك للفوز بجائزة اليونسكو للثقافة العربية؟

Ad

لم أكن سمعت عن الجائزة قبل فوزي بها. علمتُ لاحقاً أن إدارة الجائزة تكرم أشخاصاً يعملون في مجال الأبحاث، وربما تلك هي المرة الأولى التي تذهب إلى فنانين، وعلمتُ أن ما أهلني عملي واهتمامي بالحرف العربي تحديداً، إذ أنشر كتباً وأبحاثاً في هذا الإطار، ولي رسوم على الجدران تترجم أفكاري وأبحاثي.

جاءت الجائزة تقديراً لدورك في ابتكار أساليب حديثة لفن الحرف في الرسم على الجدران. ما هي تلك الأساليب؟

أحاول جاهدة أن أجدّد في شكل الخط العربي، لأننا كعرب وناطقين بالعربية حول العالم ما زلنا نعيد ونكرر الخطوط المتعارف عليها نفسها منذ نحو ألف سنة، وهي ستة أنواع (الكوفي، والنسخ، والديواني، والرقعة، والفارسي، والثلث). لكن للأسف لا تتوافر أبحاث عن خطوط أخرى. ويظنّ كثيرون أن الخطوط متوافرة في المصاحف فحسب، إلا أنني بعد سنوات من البحث اكتشفت أن ثمة خطوطاً أخرى موجودة في المتحف الإسلامي ومتحف النسيج في القاهرة، وتتميّز بالابتكار والجمالية، ما دفعني إلى إطلاق مشروعي «الألف لا»، الذي أكتب فيه حرف لا بألف طريقة تلخص التاريخ البصري لتخطيط الكلمة.

لكن ثمة مصادر أخرى كالمتاحف والمساجد التي تحمل بصمات بخطوط عربية. كيف اطلعت على مقتنياتها؟

بالتأكيد، ثمة متاحف كثيرة حول العالم، وسهّل مهمتي في الاطلاع عليها أن مقتنياتها متاحة على شبكة الإنترنت، بخلاف مكتبة الإسكندرية، كذلك استفدت من برنارد أوكين، أحد مؤرخي الفن الإسلامي في الجامعة الأميركية، فهو عمل على توثيق الكتابات المدونة في الأبنية الأثرية الموجودة في القاهرة. عموماً، كان ذلك كله مفيداً في مجال تصميم أمثلة للخط، خصوصاً أن الخط قديماً كان جزءاً من الحياة اليومية، إذ كان موجوداً على جدران المنازل في شكل آيات قرآنية وأبيات شعر، كذلك كان حاضراً بقوة في المساجد وعلى الملابس.

متى بدأ ولعك بالخط العربي؟

كان ذلك عام 1996 إبان فترة دراستي في الجامعة الأميركية في بيروت. فتح عينيّ على جماليات الخط العربي أستاذي سمير صايغ، فقد كنت أستمتع كثيراً بمحاضراته عن الخط العربي، وكان يحاول دائماً أن يحثنا على التفكير بالخط كوسيلة تعبيرية نستخدمها في تصاميمنا كطلاب في كلية التصميم الغرافيكي، ثم حصلت على درجة الماجيستير من الجامعة الأميركية في القاهرة عن الخط العربي، وخلال سنوات الدراسة كنت أشارك في جولات ميدانية للمتابعة والرؤية والتصوير في أماكن تحمل زخماً تاريخياً وتتجلى فيها الأحرف العربية بجمالها الأخاذ، ما شكّل لدي وعياً وعشقاً للخط العربي.

برأيك، ما سبب تراجع الخط العربي؟

حالة التراجع تلك عمرها نحو 300 عام، حين منعت الدولة العثمانية دخول المطبعة. كان في هذه الإمبراطورية نحو 60 ألف خطاط، ولم تتح الظروف إزاء هؤلاء الخطاطين المهرة للاستفادة من مواهبهم في وضع تصميم جمالي لأشكال الحروف التي كانت تُصنع بطريقة الصب في قوالب حديدية تستخدم بعد ذلك في آلة الطباعة، وتولى هذه المهمة مصممون غربيون في أوروبا، ما أفقد الحرف جمالياته، وخرج بصورة مشوهة لا تعبِّر عن الروح العربية.

لكن المشكلة ما زالت موجودة في أشكال الأبناط العربية المتاحة على الكمبيوتر.

صحيح. عندما بدأت الثورة الرقمية، اعتمدت الشركات الأجنبية المنتجة لبرامج الكمبيوتر الأحرف العربية المطبعية الموجودة بما فيها من تشوه وغياب للروح، وحوّلتها إلى أبناط للكمبيوتر. ورغم أن ثمة محاولات تمت من خطاطين ومصممين عرب لتعديل وتحديث الخط العربي على الكمبيوتر، فإنها باءت بالفشل نتيجة عدم وعي الحكومات العربية بحجم المشكلة، من ثم عدم دعمها هذه المحاولات. للأسف، لا وعي في عالمنا العربي بأهمية الخط العربي كجزء يمثِّل حضارتنا، ولا تُدرّس مادة الخط العربي في المدارس.

ما أهمية الخط في حياتنا الآن؟

الخط جزء من إيقاع حياتنا اليومية، لأننا نقرأ الكتب ونطالع الصحف، وطوال تحركنا في الشارع تقع عيوننا على اللافتات الإعلانية وأسماء الشوارع والمحال التجارية، فإذا لم تكن هذه اللافتات مكتوبة بشكل جميل، فإن هذا يعد تلوثاً بصرياً، وهو ما يحدث في شوارعنا فعلاً التي أصبحت مزدحمة بالقُبح، الذي ينعكس على أرواحنا وحالتنا المزاجية. ثمة اغتصاب لأعيننا طوال الوقت، فالحروف المدونة على اللافتات تصميمها سيئ وأبناطها رديئة، وما يثير دهشتي في الدول العربية، أن محال كثيرة تستخدم في لافتاتها حروفاً وكلمات لاتينية، بما يعكس حالة استعمار فكري وتكريس لغياب الهوية العربية.

كيف يمكن حل هذه المشكلة؟

يحتاج التعديل إلى جهد كبير ودعم من الحكومات العربية، وتغيير لوعي الشعوب نفسها بأهمية الخط العربي في حياتنا. هنا ألفت النظر إلى صعوبة المهمة، فمثلاً تصميم حرف لاتيني واحد يتطلب رسم نحو 57 شكلاً فقط، بينما الحرف العربي الواحد يحتاج إلى رسم 120 شكلاً حسب اختلاف وضع الحرف، وليس لدينا فنان (خطاط) متفرغ لهذه المهمة. كذلك عدد الفنانين المتخصصين في الحرف قليل جداً في عالمنا العربي، ففي مصر ثمة محمد جابر الجدع، وفي لبنان 10 فنانين فقط، وعدد قليل في المغرب والأردن.

مشروع

قيمة الجائزة 30 ألف دولار، وهو مبلغ جيد لتبدأ بهية شهاب مشروعاً يخدم أبحاثها وأحلامها بخصوص الخط العربي. ماذا في خطتها؟ تقول في هذا المجال: {قيمة الجائزة 60 ألف دولار، تمنح مناصفة بين فائزين، وقد حصلت عليها مناصفة مع الفنان الفرنسي - التونسي فوزي خليفي. أما مشروعي الذي أعكف عليه الآن فهو «موسوعة للخط العربي» وستكون متاحة مجاناً على الإنترنت للدارسين والمصممين والخطاطين والباحثين المهتمين بالخط العربي، وستضم أشكال أحرف الخط العربي. وقد عملت على تجميع ألف نموذج من شكل كل حرف عربي. أظن أن هذا يعد خطوة على طريق تحقيق حلمي في أن يستعيد الخط العربي أمجادة}.