آسيا بعد ترامب

نشر في 11-04-2018
آخر تحديث 11-04-2018 | 00:06
يتعين على الولايات المتحدة استخدام قوتها الناعمة لإنشاء شبكات ومؤسسات تسمح لها بالتعاون مع الصين والهند واليابان وأوروبا وغيرها من البلدان لمعالجة المشاكل العابرة للحدود التي لا يمكن لأي بلد حلها من جانب واحد.
 بروجيكت سنديكيت في الاجتماع الذي عقدته اللجنة الثلاثية- وهي مجموعة من القادة السياسيين ورجال الأعمال والصحافيين والأكاديميين- مؤخرا، أعرب الكثيرون عن قلقهم إزاء تراجع القيادة الأميركية في آسيا، وعلاوة على ذلك تقيم جميع البلدان الآسيوية علاقات تجارية مع الصين أكثر من الولايات المتحدة، غالباً بهامش مضاعف، وقد زاد من حدة التوتر قرار الرئيس دونالد ترامب الأخير بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم وازدرائه بالمؤسسات المتعددة الأطراف، والسؤال الذي يطرحه الكثيرون في سنغافورة: هل ستنجح القيادة الأميركية في آسيا في سنوات ترامب؟

يقدم لنا التاريخ بعض وجهات النظر، ففي عام 1972 فرض الرئيس ريتشارد نيكسون رسوما جمركية على حلفاء أميركا دون سابق إنذار، منتهكا بذلك إطار صندوق النقد الدولي، كما سعى إلى حرب غير شعبية في فيتنام، فكان الخوف من الإرهاب واسع الانتشار، كما أعرب الخبراء عن قلقهم بشأن مستقبل الديمقراطية.

وفي السنة التالية أنشأ ديفيد روكفلر وزبغنيو بريجنسكي اللجنة الثلاثية التي تجتمع مرة في السنة لمناقشة المشاكل من هذا النوع، وخلافا لنظريات المؤامرة تحظى اللجنة بالقليل من السلطة، ولكن مثل القنوات غير الرسمية الأخرى في دبلوماسية "المسار الثاني"، فهي تسمح للمواطنين العاديين باستكشاف طرق لإدارة القضايا الشائكة، يمكن العثور على النتائج في منشوراتها وعلى موقعها الإلكتروني.

وفي سنغافورة لم يكن هناك إجماع حول آسيا بعد ترامب، فعلى سبيل المثال كان للأعضاء الهنود والصينيين مواقف مختلفة حول دور مشاريع البنية التحتية "الحزام والطريق" في الصين، وقد اختلف بعض الآسيويين والأميركيين حول آفاق حل ناجح للأزمة النووية الكورية، وكذلك السؤال المطروح حول ما إذا كانت الحرب بين الصين والولايات المتحدة حتمية أم لا، وتساءل بعض الأوروبيين عما إذا كان عدم اليقين العالمي الحالي يعكس صعود الصين أم صعود ترامب؟ أعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على استعادة قيادتها بعد سنوات ترامب إذا تعلمت من دروس استخدام القوة مع الآخرين، وبعبارة أخرى يتعين على الولايات المتحدة استخدام قوتها الناعمة لإنشاء شبكات ومؤسسات تسمح لها بالتعاون مع الصين والهند واليابان وأوروبا وغيرها من البلدان لمعالجة المشاكل العابرة للحدود- على سبيل المثال الاستقرار النقدي، وتغير المناخ، والإرهاب والجرائم الإلكترونية- التي لا يمكن لأي بلد حلها من جانب واحد. سيتطلب ذلك التغلب على السياسات والمواقف الانفرادية المرتبطة بصعود ترامب، أما بالنسبة إلى صعود الصين، خلافا للتشاؤم الحالي، فإن الولايات المتحدة ستحتفظ بمزايا السلطة الضرورية التي ستستمر لفترة رئاسية أطول من ثماني سنوات، إذا تمت إعادة انتخاب ترامب، وتتمثل الميزة الأولى في الديموغرافيا، فوفقاً لبيانات الأمم المتحدة تعتبر الولايات المتحدة الدولة المتقدمة الوحيدة التي من المتوقع أن تسهم في نمو السكان العالمي بحلول عام 2050، ومن المتوقع أن تعطي الصين، البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان، الصدارة للهند.

تكمن الميزة الثانية في الطاقة، فقبل عشر سنوات بدت الولايات المتحدة معتمدة بشكل ميئوس منه على الطاقة المستوردة، وقد حولتها الثورة الصخرية من مستورد إلى مصدر للطاقة، وقد تكون أميركا الشمالية مكتفية ذاتياً في العقد القادم عندما ستصبح الصين أكثر اعتماداً على واردات الطاقة.

وتعد التكنولوجيا الميزة الثالثة للولايات المتحدة، فمن بين التكنولوجيات التي ستنقل السلطة في هذا القرن: التكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، والجيل القادم من تكنولوجيا المعلومات، مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، ووفقاً لمعظم الخبراء، في حين تتحسن قدرة الصين، تظل الولايات المتحدة الرائدة عالميا في مجال البحث والتطوير والتداول التجاري لهذه التقنيات.

وبالإضافة إلى ذلك، من حيث القاعدة البحثية، تتمتع أميركا بميزة رابعة في نظام التعليم العالي، ووفقا لتصنيف جامعة شنغهاي جياتونغ، من بين أفضل 20 جامعة في العالم، هناك 16 جامعة في الولايات المتحدة، في حين لا يوجد أي منها في الصين.

والميزة الأميركية الخامسة التي من شأنها أن تبقى بعد ولاية ترامب لفترة أطول في منصبه هي دور الدولار، ومن بين احتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها حكومات العالم، هناك 1.1 في المئة فقط بالرنمينبي، مقارنة بـ64 في المئة بالدولار. عندما شمل صندوق النقد الدولي الرنمينبي في سلة العملات التي تدعم وحدة الحساب الخاصة به- حقوق السحب الخاصة- اعتقد الكثيرون أن أيام الدولار كانت معدودة، لكن حصة الرنمينبي في المدفوعات الدولية قد انخفضت منذ ذلك الحين، فالعملة الاحتياطية ذات المصداقية تعتمد على أسواق رأس المال العميقة، والحكومة النزيهة، وسيادة القانون، وهذه أشياء لن توجد في الصين في المستقبل القريب.

سادساً، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا جغرافية تفتقر إليها الصين، فالولايات المتحدة محاطة بالمحيطات، ولا تزال كندا والمكسيك صديقتين، على الرغم من سياسة ترامب الخاطئة المتمثلة بتقويض اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية. ومن ناحية أخرى، لدى الصين حدود مع 14 بلداً ومنازعات إقليمية مع أهمها، مثل الهند واليابان وفيتنام، وهذا يحد من قوة الصين الناعمة، وعلى الرغم من أن الجغرافيا تمنح الصين مزايا على بحرها الجنوبي، فليس للولايات المتحدة أي مطالبات إقليمية هناك وتتمتع بتفوق بحري على 95٪ المتبقية من محيطات العالم.

لكن الأهم من ذلك أن الولايات المتحدة والصين لن تتوجها إلى الحرب، ولا تشكل إحداهما تهديداً وجودياً على الأخرى، وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى تفوقت ألمانيا على بريطانيا في عام 1900، وساهم الخوف البريطاني من النوايا الألمانية في الكارثة، وعلى النقيض من ذلك لدى الولايات المتحدة والصين الوقت الكافي لإدارة صراعاتهما العديدة وليستا في حاجة إلى الاستسلام للهستيريا أو الخوف.

لا تحتفظ الولايات المتحدة بمزايا القوة فحسب، بل بتحالفاتها أيضا مع اليابان وكوريا الجنوبية، وفي المحادثات المقبلة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، سيكون على ترامب منع نظام كيم من تحقيق هدفه الطويل الأمد المتمثل في إضعاف تلك التحالفات.

وفي سنغافورة سألتُ لي كوان يو ذات مرة عما إذا كانت الصين ستتفوق على الولايات المتحدة، فقال "لا"، في حين أن الصين لديها مواهب يبلغ عددها 1.4 مليار نسمة، فإن انفتاح الولايات المتحدة سمح لها بالاستفادة من المواهب التي يمتلكها 7.5 مليارات شخص بإبداع أكبر من الصين. إذا استمر هذا الانفتاح فإن القيادة الأميركية في آسيا، وأماكن أخرى، ستستمر أيضا.

* جوزيف س. ناي الابن

* أستاذ بجامعة هارفارد وشغل حتى وقت قريب منصب رئيس اللجنة الثلاثية في أميركا الشمالية.

«بروجيكت سنديكيت، 2018»

بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top