وثيقة لها تاريخ : المقيم البريطاني في الخليج يتجنب مناقشة موضوع الأسلحة مع الشيخ مبارك
مازلنا مع تقرير المقيم البريطاني في الخليج، الميجور بيرسي كوكس، الذي كتبه بعد لقاءات عديدة مع الشيخ مبارك الصباح في الكويت عام 1906. هذا التقرير، المكوَّن من 4 صفحات، يكشف لنا كيف كان الإنكليز ينظرون إلى الشيخ مبارك، وكيف كان الشيخ مبارك يفكر عند التفاوض مع الإنكليز، وهو أمر في غاية الأهمية فيما يتعلق باستقرار الكويت وأمنها. فقد كانت الأخطار تحيط بالشيخ مبارك من كل جانب، فتارة يأتيه الخطر من جانب الدولة العثمانية، وتارة من جانب الشيخ يوسف الإبراهيم، وتارة من جانب إمارة حائل وشيوخها آل رشيد. وقد دفعه ذلك إلى التحالف مع الإنكليز، وتسهيل بعض شؤونهم في الكويت، لكنه كان حاكماً لا يسهل انقياده أو توجيهه دون أن يكون مقتنعاً بما يفعله ويدرك عواقبه. يقول كوكس في تقريره بالفقرة 3 من الصفحة الأولى، والتي يصف فيها مبارك الصباح: "وفيما يتعلق بموقف الشيخ مبارك تجاهنا، لا أجد أن ذلك يسبب لي عدم ارتياح أو قلق بوجه عام، بل على العكس. فطالما أن تعابيره الفعلية لمشاعره لم يجر عليها أي تغيير، فإن تحسين العلاقات بينه وبين السلطات التركية في البصرة، ضمن حدود معقولة، هو أمر يريحنا، وليس العكس". ويؤكد المقيم البريطاني أن الوكيل السياسي البريطاني في الكويت يتلقى معاملة لائقة أكثر من الفترة الماضية، بل إن العلاقة مع مبارك وشخصيات كويتية بارزة أخرى أصبحت متينة وقوية. "إن معاملة الشيخ لوكيلنا وحسن نواياه تجاهي لا يمكن أن تكون أفضل أو أكثر تفاهماً مما هي عليه الآن. لقد تعامل مع الكابتن نوكس (الوكيل السياسي بالكويت) باحترام شديد على الدوام، وزاد من احترامه في الآونة الأخيرة. كما يبدو أن ممثلنا في الكويت كسب احترام الشيخ مبارك الشخصي، وأنه يستقبل العديد من رعايا الشيخ بطريقة ودية وحرية. إنه (أي الوكيل) يترك أثراً مفيداً من نوعه، ويبدو لي أنه كل ما نحتاجه حالياً، وسيساعدنا على الاستفادة منه (لاحقاً)".
وينتقل كوكس بعد ذلك إلى موضوع مختلف ومهم، لكنه لم يسهب في تفاصيله عن قصد، لأن الموضوع تجري عليه دراسة من قبل الحكومة البريطانية، كما أشار كوكس بنفسه لذلك. هذا الموضوع هو توريد وشراء الأسلحة. يقول: "في الوقت الراهن، إنه فقط فيما يتعلق بموضوع الأسلحة تبقى هناك رغبة لتحقيق المزيد، ويعزى ذلك إلى حقيقة أن موضوع نقل السلاح إلى الخليج تجري دراسته حالياً. إنني لا أعرف يقيناً الخط الذي يجب أن أسير عليه مع الشيخ (مبارك) في حال لقائنا لتبادل الآراء حول هذا الموضوع، وإلى أن أتأكد من نوايانا، فإنه من الأفضل أن أؤجل الموضوع، وأن أتجنب مناقشته معه".هذا ما خطه المقيم البريطاني في الخليج عام 1906 حول موضوع العلاقة الثنائية مع الشيخ مبارك، وموضوع السلاح في الخليج. في المقال المقبل، نُكمل استعراضنا للتقرير، ونتناول قضايا أخرى أثيرت في هذه الوثيقة التاريخية الجميلة.