الأكثر غرابة واستغراباً في تداخل الألوان هذا الذي يجتاح منطقتنا العربية، هو أن "الشيوعيين العرب"، على قلتهم وهامشية دورهم، ما زالوا يعتبرون أن موسكو هي "كعبتهم" السياسية، وأن الرئيس فلاديمير بوتين هو النسخة الجديدة من فلاديمير لينين، مُطلق الحركة الشيوعية العالمية، وأن الاتحاد الروسي هو الاتحاد السوفياتي! كل هذا مع أن بقايا ما تبقَّى من الشيوعيين الروس حالهم كحال الأيتام على مآدب اللئام، وأنهم يواجهون بالاستهزاء و"المسخرة" عندما يلجأون إلى رفع أعلامهم الحمراء، إحياءً لمناسبات قديمة لم يعد لها أي مكان في هذا الحاضر، الذي هو نسخة مشوَّهة من المرحلة القيصرية.كل الأحزاب الشيوعية العربية تصطفُّ الآن إلى جانب هذا الرئيس الروسي، وتمنح ولاءها له، مع أن المفترض أنها تعرف أنه - بعد ميخائيل غورباتشوف وبوريس يالتسن - هو مَن أجهز على الحزب الشيوعي (السوفياتي)، وأنه هو مَن قطع رأس الاشتراكية، وأحلَّ محلها رأسمالية متوحشة زادت الأثرياء ثراء، وزادت الفقراء فقراً، إلى حدِّ أنه أصبحت هناك مجاعات حقيقية وفعلية في هذا البلد الغني الكبير!
ولعل ما يثير المزيد من هذه الأسئلة والتساؤلات، أن الشيوعيين العرب لم يكتفوا بتبعيتهم لهذه الـ"موسكو" الرأسمالية والـ"فلاديمير بوتين" الرأسمالي، بل إنهم بقوا على تبعيتهم القديمة لهذا النظام السوري وولائهم المتوارث لحزب البعث، الذي لم يعد موجوداً إلا في الملفات الصفراء القديمة!كل هذا وهم يعرفون أن بشار الأسد ألحق سورية بإيران، وأنه سلَّمها للروس، ليفعلوا فيها ما يشاؤون، وأنه لم يبقَ من "التقدمية" البعثية في هذا البلد إلا "زنازين" المزة التي قضى باقي ما تبقَّى من قادة "البعث" أعمارهم فيها ومعهم بعض قادة الحزب الشيوعي من غير تيار خالد بكداش.ولعل ما يبعث على المزيد من الاستغراب أن "حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، أي الحزب الشيوعي في إسرائيل، الذي غالبية أعضائه من عرب 1948 الفلسطينيين، لا يزال يدعم، استناداً إلى أيديولوجيته العلمانية والاشتراكية، هذا النظام السوري، والأغرب أن النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أيمن عودة، الذي هو أحد قياديي هذا الحزب، يرفض "رواية" استخدام الجيش الأسدي للأسلحة الكيميائية ضد ما سماه "الإرهابيين" في الغوطة الشرقية، بل قال خلافاً لرأي غالبية الشعب الفلسطيني: إن المعارضة السورية هي عدو الشعب السوري! وإنه ليس هناك إثبات على أن نظام الأسد هو المسؤول عن الأعمال الرهيبة في دوما. وبالطبع، فإن هذا وُوجه بمعارضة كبيرة في أوساط العرب الفلسطينيين.والحقيقة أن عمى الألوان هذا، المصاب به باقي ما تبقَّى من الشيوعيين العرب، مصابٌ به بعض العرب الذين ينظرون إلى الأوضاع، لا في سورية وحدها، بل أيضاً في العراق واليمن... ولبنان، فهناك مَن لا يزال يخيط بالمسلة القديمة نفسها، وهناك مَن لا يزال يعتقد أن حزب البعث هو الذي يحكم في هذا البلد، في حين بات من الواضح والمعروف والمؤكد أن الذين يحكمون هناك هم الروس والإيرانيون، وأن هؤلاء، ومعهم نظام بشار الأسد، يرتكبون كل هذه المذابح التي يرتكبونها في إطار عمليات تفريغ مذهبي وطائفي بات يعترف به حتى هذا النظام نفسه بوضوح وصراحة وبلا خجل ولا وجل!
أخر كلام
مشكلة الشيوعيين العرب!
13-04-2018