وسط أنباء عن مغادرة السفن الروسية ميناء طرطوس تحسباً للتطورات العسكرية المحتملة في سورية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على حسابه بموقع «تويتر»، أمس، أنه لم يتحدث أبداً عن موعد رده العسكري على هجوم قوات الرئيس السوري بشار الأسد بالسلاح الكيماوي على مدينة دوما، مشيرا إلى أنه «قد يكون وشيكا جدا أو غير وشيك على الإطلاق».ورغم أن تغريدة ترامب تؤكد أن الرئيس الأميركي لم يتخل عن فكرة عمل عسكري، إلا انها تتضمن احتمال تأجيله، الأمر الذي قد يؤدي الى فتح ثغرة في المفاوضات السياسية، بين واشنطن وموسكو، تحصل من خلالها واشنطن على «ثمن سياسي كبير» يؤدي أهداف الضربة دون حصولها.
وقال ترامب، الذي دعا الروس للاستعداد لاستقبال صواريخ بارعة وحديثة وذكية في سورية، «على أي حال، قامت الولايات المتحدة، تحت إدارتي، بعمل عظيم هو تخليص المنطقة من تنظيم داعش. أين شكراً أميركا؟».ولاحقا، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أن «جميع الخيارات مطروحة، لكن لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن سورية، مؤكدة أن ترامب «لم يحدد جدولا زمنياً».
انقسام أوروبي حول «الضربة»
ظهرت بوادر انقسام في الاتحاد الاوروبي بشأن عمل عسكري أميركي مرتقب في سورية قد تشارك فيه دول أعضاء في الاتحاد. فقد أعلنت فرنسا أنها ستشارك في عمل عسكري إذا تبين لها أن دمشق استخدمت السلاح الكيماوي في دوما. وتؤيد الحكومة البريطانية المحافظة بزعامة تريزا ماي المشاركة في الضربة الا انها تواجه برلمانا متشككا ومعارضة للضربة يقودها زعيم المعارضة اليساري المتشدد جيرمي كوربين.الى ذلك، أعربت وزيرة الدفاع الهولندية، أنك بيغلفيلد، عن دعمها لشن «عمل عسكري مناسب» في سورية، طالما أن التدابير الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية تبدو «غير كافية» لمنع استخدام الكيماوي. في المقابل، قالت السويد، العضو غير الدائم في مجلس الامن الدولي، انها تعارض شن أي ضربات، مشيرة إلى أن هذه الضربات ستنتهك القانون الدولي. كما أعلن مصدر رسمي في الحكومة الإيطالية أن روما لن تشارك مباشرة في أي نشاط عسكري قيد التنفيذ بسورية.واستبعدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن يشارك جيش بلادها في الضربة، وأضافت: "لكننا ندعم كل شيء يبذل من أجل إرسال رسالة مفادها أن استخدام الأسلحة الكيماوية غير مقبول".
وزار كل من وزير الدفاع جيم ماتيس ورئيس جهاز «سي آي إيه» مايك بومبيو أمس الأول البيت الأبيض، الذي لم تستبعد المتحدثة باسمه احتمال حصول اشتباك عسكري مباشر مع روسيا. وتفيد تقارير بأن ترامب يدرس خيار شن ضربات بواسطة صواريخ ضد منشآت مرتبطة بإنتاج وتسليم غازي الكلور والسارين أو مركّبات تشبه غاز السارين. إلا أن عدداً كبيراً من المنشآت العسكرية السورية الحساسة محمية بواسطة منظومات دفاع صاروخي روسية أو موجودة داخل قواعد يوجد فيها عسكريون روس وإيرانيون وسوريون.دليل ماكرون
وفي فرنسا، كشف الرئيس إيمانويل ماكرون، أمس، عن امتلاكه «الدليل» على أن نظام الأسد استخدم على الأقل غاز الكلور في الغوطة الشرقية، مشيرا إلى أن الرد على ذلك سيتم في «الوقت الذي نختاره ونقرر أنه الأنسب والأكثر فعالية».وأوضح ماكرون، لمحطة «تي إف1»، أنه على اتصال يومي مع ترامب، وأنهما سيتخذان القرار بضرب دمشق بمجرد جمع كل المعلومات الضرورية وإنهاء التحريات اللازمة»، مشددا على أن باريس لن تسمح بأي تصعيد في المنطقة «ولن تترك الأنظمة التي تعتقد أنه يمكنها فعل أي شيء».وكشف ماكرون أن أحد أهدافه في سورية «نزع قدرة النظام على شن هجمات كيماوية» وكذلك «تجنب التصعيد»، محذرا من أن «العالم أصبح فوضويا والوضع بات غير مقبول، ولهذا السبب يجب التمسك بالأولويات والحفاظ على الاستقرار في المنطقة».ماي وميركل
وبينما أجرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع ماكرون مشاورات حول هجوم دوما مستبعدة مشاركة بلادها في عمل عسكري، استدعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أعضاء حكومتها من العطلة لحضور اجتماع خاص في «داونينغ ستريت» لمناقشة الانضمام إلى الولايات المتحدة وفرنسا.وقبل الاجتماع، شددت ماي على استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية «لا يجب أن يمر من دون محاسبة»، متعهدة بأن تعمل بريطانيا مع حلفائها للرد على الهجوم الذي وقع السبت الماضي.وأفادت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بأن ماي مستعدة لاتخاذ قرار المشاركة في التحرك بقيادة الولايات المتحدة دون طلب موافقة مسبقة من البرلمان.وذكرت صحيفة «ديلي تليغراف» أن ماي أمرت غواصات بريطانية بالتحرك بحيث تكون على مسافة تتيح لها إطلاق صواريخ على سورية استعدادا لشن ضربات على الجيش السوري.وماي ليست ملزمة بالحصول على موافقة البرلمان، لكن هناك اتفاقاً دستورياً غير ملزم بالحصول على تأييد البرلمان وضع منذ التصويت عام 2003 على الانضمام للغزو الأميركي للعراق. وجرى الالتزام بهذا الاتفاق في الانتشار العسكري فيما بعد في ليبيا والعراق.وفي موسكو، نفى «الكرملين» وجود خطط لاتصال هاتفي بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اختار الهدوء بمواجهة تسرع نظيره الأميركي. وغداة تجاهل الرئيس الروسي في كلمة مهمة الحديث عن التصعيد في سورية، أكد المتحدث باسم «الكرملين»، ديمتري بسكوف، أمس، أن قناة الاتصال بين العسكريين الروس والأميركيين بشأن عمليات الجيشين في سورية والهادفة الى تفادي الحوادث الجوية «ناشطة» في الوقت الحالي، ويستخدمها الجانبان.وقال بسكوف: «نرى أن تجنب أي عمل من شأنه مفاقمة التوتر في سورية هو ضرورة مطلقة. سيكون لمثل هذا الأمر أثر مدمر للغاية على أي عملية تسوية سياسية».ويؤدي هذا الخط المشترك دورا رئيسا في تفادي الحوادث على الأرض وفي الأجواء السورية، علما بأنه تم الإعلان عن تعليق العمل به مرارا في السابق خلال فترات التوتر، وهو قائم بين مركز قيادة العمليات الجوية للتحالف الدولي في قطر ومركز القيادة الروسي.وأكتفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالقول أن التهديد الأميركي والفرنسي باستخدام القوة ضد سورية، يعد خرقاً لميثاق الأمم المتحدة، موضحة أن موقف موسكو هو اجتناب التصعيد.ورداً على صور من الأقمار الاصطناعية وزعتها شركة إسرائيلية تظهر انسحاب 8 سفن روسية من قاعدة طرطوس البحرية الروسية، أفادت مصادر روسية بأن سحب السفن جاء كخطوة احترازية من التطورات العسكرية المقبلة.تحذيرات الأسد
في المقابل، حذر الأسد، أمس، من أن أي تحركات محتملة ضده ستؤدي الى «مزيد من زعزعة الاستقرار» في المنطقة، وهو ما يهدد السلم والأمن الدوليين.وقال الأسد، خلال استقباله المستشار الأعلى لقائد الثورة الإيرانية للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، «مع كل انتصار يتحقق في الميدان، تتعالى أصوات بعض الدول الغربية وتتكثف التحركات في محاولة منهم لتغيير مجرى الأحداث».وأفادت الرئاسة السورية بأنه تم خلال اللقاء بين الأسد وولايتي «تأكيد أن تهديدات بعض الدول الغربية بالعدوان على سورية بناء على أكاذيب اختلقتها هي وأدواتها من التنظيمات الإرهابية في الداخل، جاءت بعد تحرير الغوطة الشرقية وسقوط رهان جديد من الرهانات التي كانت تعول عليها تلك الدول في حربها الإرهابية على سورية».موقف إيران
من جانبه، اعتبر ولايتي أن «صمود سورية في واحدة من أعتى الحروب الإرهابية وتصميم شعبها على النصر، على الرغم من كل الدعم والتمويل والتسليح الخارجي لهذه الحرب هو نموذج يحتذى»، مؤكدا «أن إيران كانت وستبقى دائما إلى جانب سورية».وأكد ولايتي، في مؤتمر صحافي، أن «الهدف الرئيس من الهجمة على سورية هو تحطيمها كحلقة رئيسة في محور المقاومة»، مبينا أن اللقاء تناول التطورات المتسارعة في الحرب على «الإرهاب» والارتدادات السياسية الناتجة عنها.وشدد ولايتي، الذي جال على ركام الغوطة الشرقية بعد تهجيرها أهلها على أن انتزاع هذه المنطقة يعد من أهم انتصارات الجيش السوري«، معربا عن أمله في «تحرير إدلب قريباً جداً».وأعرب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، عن قلقه إزاء «المنازلة» الجارية في سورية بين القوى الكبرى، مؤكدا أن الأسد المتهم بتنفيذ الهجوم الكيماوي «لديه علامة سوداء في سجله الطويل». وقال إردوغان: «إننا قلقون للغاية لرؤية بعض الدول الواثقة بقوتها العسكرية تحول سورية إلى ميدان للمنازلة»، مضيفا أنه بعد مهاتفته ترامب إثر تهديده لدمشق أجرى مكالمة مماثلة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تناولت «سبل وضع حد لهذه المجزرة الكمياوية». وقال: «لن نتخلى عن تحالفنا عن واشنطن، ولا عن شراكتنا مع موسكو، ولا تعاوننا مع إيران».ودون تسمية أي من البلدين هاجم إردوغان روسيا، التي تدعم الأسد والولايات المتحدة التي تدعم الأكراد، قائلا: «أولئك الذين يدعمون نظام القاتل الأسد يرتكبون خطأ. وأولئك الذين يدعمون وحدات حماية الشعب الكردية الإرهابية يرتكبون أيضا خطأ. ونحن سنحارب هذه الأخطاء حتى النهاية».الخروج عن السيطرة
ومع تحذير ترامب بأن الصواريخ «قادمة» وتفكير ماكرون في شن غارات وسعي ماي للانضمام إلى الحلفاء في استهداف الأسد، الذي تسانده موسكو بكل ثقلها، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لـ «تجنب خروج الوضع في سورية عن السيطرة».وبعد يومين من استخدام روسيا حق الفيتو للمرة الثانية عشرة في مجلس الأمن ضد مشروع قرار أميركي بإنشاء آلية تحقيق حول استخدام الأسلحة الكيماوية وقيام واشنطن وحلفائها بإفشال مشروعي قرارين بديلين طرحتهما موسكو، دعت بوليفيا المؤيدة للموقف الروسي الى عقد اجتماع جديد لمجلس الأمن، أمس، حول التهديد بعمل عسكري ضد دمشق، موضحة أن الاجتماع المغلق سيتناول «التصعيد الأخير في الخطاب والتهديد باللجوء الى خطوات أحادية الجانب».سيناريو فعّال للضربة لكنه يفتح باب الفوضى
رسم الخبير الأميركي المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية مايكل آيزنشتات سيناريو لما يجب أن تكون عليه الضربة الأميركية المحتملة على سورية، مشيراً إلى ضرورة أن تركز على أهداف عدها «أصولاً للنظام». وقال آيزنشتات إنه في المقام الأول يجب تجنب ضرب «أهداف قد تتسبب في إصابات بين الروس»، مشدداً على أهمية التركيز بشكل أساسي على ضرب «القدرات العسكرية التقليدية للنظام»، وتقليص القوات البرية والجوية الرئيسية للجيش السوري، لزيادة الأعباء على روسيا وإيران، ورفع تكاليف وجودهما في سورية.ودعا إلى استهداف الفرقة الرابعة المدرعة، والحرس الجمهوري، و«قوة النمر»، فضلا عن الوحدات الجوية التي تستعمل «البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية». ولفت إلى ضرورة إلحاق الضرر بالقوة البشرية للجيش السوري، مبرراً ذلك بقوله، إن «روسيا وإيران بإمكانهما استبدال معدات نظام الأسد، إلا أنه لا يمكنهما استبدال موارده البشرية، علما بأن الموارد البشرية هي أكثر ما يفتقر إليه».ونصح الخبير التفكير في «ضرب أهداف رمزية مثل القصر الرئاسي على جبل قاسيون المطل على دمشق، والذي يمكن أن يكون لتدميره تأثير نفسي كبير على النظام السوري وشعبه».في المقابل، أشار خبراء استراتيجيون إلى أن هذا السيناريو خطير، ويشرع الساحة السورية على احتمالات فوضوية لا يمكن للمنطقة الهشة أن تتحملها بينها عودة «داعش» أو «القاعدة» للسيطرة على أراض في سورية والعراق، وربما دول اخرى، وانتشار الميليشيات المسلحة في حال تم تدمير الجيش السوري بالكامل كما حصل في العراق.