فرص حل أزمة الاتفاق النووي بين إيران وأميركا

بينما كانت الولايات المتحدة تفكر ملياً في مستقبل الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في سنة 2015 بين إيران ومجموعة (خمسة زائد واحد)، وجدت إدارة الرئيس دونالد ترامب نفسها في مواجهة مع الدول الأوروبية حول السياسة المتعلقة بالتعامل مع حكومة طهران.

ثم إن وجود معسكرات متنافرة ومتضاربة بين أطراف الاتفاق النووي الإيراني يعني أن الولايات المتحدة– سواء تم إصلاح أو إلغاء ذلك الاتفاق– ستكون في حاجة الى تعزيز تحالفاتها خارج مجموعة دول (خمسة زائد واحد)، وقد يأتي الحل من خلال أذربيجان على وجه التحديد.

وتجدر الإشارة إلى أن المخاوف وبواعث القلق المستمرة منذ فترة طويلة إزاء ذلك الاتفاق قد برزت إلى الواجهة قبل نحو شهر على وجه التقريب عندما انتهكت طائرة مسيّرة إيرانية المجال الجوي الإسرائيلي على مقربة من الحدود السورية. يومها اعترضت إسرائيل تلك الطائرة فيما أسقطت القوات السورية طائرة إسرائيلية من طراز إف–16 وكانت الاشتباكات نتيجة مباشرة للاتفاق النووي الذي مكن إيران من تعزيز وجودها العسكري في سورية التي مزقتها الحرب.

وتمثلت ردة فعل البيت الأبيض على هذه التطورات في الإعراب عن دعمه لإسرائيل «في الدفاع عن نفسها في مواجهة القوات السورية والميليشيات المدعومة من إيران في جنوب سورية»، بحسب بيان البيت الأبيض، وكان ذلك أحدث الأمثلة على لهجة إدارة الرئيس ترامب المتشددة والصارمة إزاء الحكومة الإيرانية، وقال ترامب في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في سويسرا في الشهر الماضي إن الولايات المتحدة تدعو دول العالم الى «مواجهة دعم إيران للمتطرفين ومنعها من امتلاك أسلحة نووية».

الخطة الأميركية

وفي وقت سابق من شهر يناير الماضي أعلن الرئيس الأميركي خطته الرامية الى ما وصفه «إصلاح الاتفاق النووي» الذي أبرم مع إيران بما في ذلك الموعد النهائي من 120 يوماً بالنسبة الى الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين في ذلك الاتفاق من أجل فرض شروط أكثر شدة على الجانب الإيراني، وتجدر الإشارة الى أن عجز الرئيس الأميركي عن إقناع الدول الأوروبية بالوقوف الى جانبه في قضية الاتفاق النووي الإيراني قد تجعل أميركا تنسحب من ذلك الاتفاق الذي سعت إليه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

ولكن الرئيس ترامب يحتاج إلى أكثر من مجرد الكلام المتشدد فيما يتعلق بإيران، فهو يحتاج الى خطة عمل في هذا الصدد، ويتعين على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لمواجهة حملة طويلة من التوترات الدبلوماسية مع الدول الأوروبية بشأن الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما يعني أن على الادارة الأميركية تعزيز تحالفاتها الاستراتيجية في أماكن أخرى.

الحاجة إلى أذربيجان

ويتمثل الحليف الذي ستكون الولايات المتحدة في حاجة إليه في أذربيجان التي تشترك مع إيران في حدود جنوبية، ويمكن لتحالف أكثر قوة بين الولايات المتحدة وأذربيجان أن يساعد في معالجة التحديات التي قد تطرحها حكومة طهران خارج سعيها الى امتلاك سلاح نووي.

وتختلف تلك التحديات من دعم المتطرفين وتصدير العنف الطائفي الى الترويج للراديكالية، ومع وجود نحو 30 مليون أذربيجاني في إيران تعتبر أذربيجان الدولة الأفضل من أي حليف محتمل آخر من أجل دعم الولايات المتحدة.

ويتعين علينا التفكير في روسيا أيضاً، وهي الجارة الشمالية لأذربيجان، وتجدر الاشارة الى أن موسكو مؤيدة بشدة للاتفاق النووي مع إيران، كما أنها تعمل بصورة وثيقة مع طهران من أجل دعم الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية في ذلك البلد، ويمتد هذا التحالف الى أرمينيا التي يوجد فيها الكثير من القواعد العسكرية الروسية والتي تقوم بتنسيق سياستها الخارجية مع الرئيس فلاديمير بوتين.

وكان رئيس جمهورية أرمينيا سيرج سركسيان قال إن بلاده ترى «إمكانية كبيرة في أن تتحول الى طريق عبور الى إيران ومنطقة الخليج» بالنسبة الى روسيا، وهكذا وحتى إذا أعاد الكونغرس الأميركي فرض العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق النووي فإن إيران لن تفقد التأثير الاقتصادي مع شركاء مثل روسيا وأرمينيا.

وفي غضون ذلك تعيش أذربيجان حالة نزاع مستمرة منذ عقود طويلة مع أرمينيا حول ناغورنو- كراباخ وهو الإقليم الذي تحتله أرمينيا والذي تؤكد قرارات الأمم المتحدة أنه أرض تابعة لأذربيجان، والغريب في الأمر أن هذا النزاع قد تفاقم من خلال الكونغرس الذي يهتم في أغلب الأحيان بمصالح الأميركيين من أصل أرميني بدلاً من خدمة المصالح القومية للولايات المتحدة.

وفي الآونة الأخيرة طرح النائب فرانك بالون وهو ديمقراطي من نيو جيرسي القرار الذي يحمل الرقم 697 ويدعم روسيا والانفصاليين المؤيدين من إيران من خلال «زيارات واتصالات بين الولايات المتحدة وجماعة ناغورنو– كراباخ على كل المستويات في المجتمع المدني والحكومة»، ويتجاهل هذا بصورة استثنائية تعهد وزارة الخارجية الأميركية المتعلق بدعم الولايات المتحدة للسلامة الاقليمية لأذربيجان.

وتعامل إجراءات النائب بالون منطقة ناغورنو– كراباخ غير القانونية على شكل «جمهورية» شرعية كما أن الأكثر من ذلك هو أن القرار يتجاهل توصية وزارة الخارجية الأميركية التي دعت مواطني الولايات المتحدة الى تجنب السفر الى ناغورنو– كراباخ بسبب النزاع المسلح المستمر هناك.

وبدلاً من تنفير أذربيجان وتعريض المصالح الأميركية للخطر من خلال تشريع مؤيد لأرمينيا فإن الولايات المتحدة في حاجة الى إعطاء العاصمة باكو المعاملة التي تستحقها: على شكل حليف رئيس ضمن قضية الاتفاق النووي مع إيران.

ممر الغاز الجنوبي

وتجدر الإشارة الى أن أذربيجان على وشك تحسين وتعزيز وضعها على المسرح العالمي بصورة كبيرة بفضل دورها الرئيس المتعلق بممر الغاز الجنوبي الذي سيمتد الى نحو 2200 ميل عبر سبع دول وثلاثة خطوط أنابيب؛ متجاوزاً إيران وأرمينيا وروسيا.

وتعتبر باكو شريكة اقتصادية ودبلوماسية واعدة في الجوار الإيراني، كما أن أرمينيا تتشاطر معها حدوداً طويلة، ولكن تلك الحدود مغلقة في وجه طهران التي تهدد المصالح الأميركية، وفيما يؤيد تحالف أرمينيا الاتفاق النووي مع إيران فإن أذربيجان تستطيع مساعدة الولايات المتحدة في حل المشكلة المتعلقة به.

ويحتاج الرئيس ترامب الى أكثر من مجرد موقف جريء بغية تجاوز روسيا وأوروبا الغربية في حل قضية الاتفاق النووي الإيراني، وبالتالي يتعين عليه تعضيد العلاقات بقدر أكبر مع أذربيجان والعمل مع حلفاء يخدمون الأهداف الاستراتيجية الأميركية.