سعى المحققون في الكونغرس الأميركي إلى تبديد الشكوك وإيضاح الحقائق المتعلقة بالحقائق المهمة التي طرحها مكتب التحقيقات الفدرالي حول شكوكه في وجود تدخل خارجي في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سنة 2016. ولكن ثمة سر يتمحور حول حماية الجانب المتعلق بمدى أهمية ذلك الملف المعروف باسم "ستيل" منذ البداية. وقد بعث رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب ديفن نيونز برسالة أخرى الى نائب وزير العدل الأميركي رود روزنتستين وإلى مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي لمطالبتهما من جديد بالتقيد باستدعاء صدر في شهر أغسطس من عام 2017 مع تسليم الاتصالات الإلكترونية– ضمن مواد وأشياء أخرى– التي أطلقت التحقيق فيما يعرف باسم تواطؤ ترامب– روسيا المزعوم.
وقد حظيت تلك الاتصالات الإلكترونية بأهمية كبيرة بفضل تسريبات من مكتب التحقيقات الفدرالي نفسه، وكان مكتب التحقيقات الفدرالي فجر هذه القضية في نهاية السنة الماضية بعد ورود أنباء عن أن المرشحة للرئاسة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون دفعت من أجل ذلك الملف المريب، ولا يزال العامة في الولايات المتحدة يجهلون إلى أي مدى قام مكتب التحقيقات الفدرالي باستخدام الملف المذكور وعلى أي حال فقد بدأ النقاد بطرح السؤال حول ما إذا كانت المسألة مجرد جزء من مراقبة ضد ما يعرف باسم "صفحة كارتر"، وهل تسبب ذلك في إطلاق التحقيق في هذا الأمر؟ومن هذا المنطلق يحاول مكتب التحقيقات الفدرالي جاهداً تقليص ذيول هذا الملف، وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز في شهر ديسمبر الماضي ما أصبح يعرف باسم الرواية "الأصلية" وذلك تحت عنوان "كيف بدأ التحقيق حول دور روسيا"، وقد أكدت تلك الرواية بشكل قاطع أن السبب وراء إجراء التحقيق المذكور "لم يكن كما زعم الرئيس ترامب وغيره من رجال السياسة عن وجود ملف أعده جاسوس بريطاني سابق كلفته بهذا العمل حملة منافسة "بل معلومات صدرت عن دبلوماسي أسترالي يزعم أنه سمع أحد مساعدي ترامب ويدعى جورج بابادوبولس يتحدث عن تشويه صورة هيلاري كلينتون.
رفض تأكيد المزاعم
وعلى الرغم من انتشار تلك المزاعم فقد عمد مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل الى رفض تأكيدها، وتقول رسالة نيونز إن مكتب التحقيقات الفدرالي قدم "نسخة منقحة بشدة تامة" عن الاتصالات الإلكترونية المذكورة، كما أشار في 23 مارس الماضي إلى أنه سوف "يرفض إجراء مزيد من التعديل" على تلك الوثيقة.والسبب الوحيد الممكن لتبرير نفي مكتب التحقيقات الفدرالي إمكانية حصول لجنة الاستخبارات في مجلس النواب على نسخة غير منقحة من الاتصالات الإلكترونية هو أنها تحتوي على معلومات استخبارية من مصادر أجنبية. وتجدر الإشارة الى أن اتفاقيات تشاطر معلومات الاستخبارات بين الدول الحليفة تشمل في بعض الأحيان فرض قيود على نقلها ونشرها، ولكن تلك المعلومات الاستخبارية على وجه التحديد كانت النوعية التي تم تسريبها في الأساس الى وسائل الإعلام، ونحن نعلم أن رواية جورج بابادوبولس جاءت عن طريق أستراليا كما أننا نعلم ما الذي قيل في ذلك الوقت.تقارير إعلامية
وقد تحدثت تقارير صدرت عن وسائل إعلام في الآونة الأخيرة فقط عن أن وزير العدل الأميركي جيف سيشنز استاء من ازدراء مكتب التحقيقات الفدرالي بالكونغرس، وأمره بتقديم مزيد من التعاون والتجاوب، وعلى الرغم من ذلك فقد أظهر من جديد صورة عن الازدراء، وتشير هذه الحالة إلى مدى رغبة مكتب التحقيقات الفدرالي الملحة في إخفاء الاتصالات الإلكترونية عن الآخرين.والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ما الذي تشتمل عليه تلك الوثيقة بحيث تنطوي على كل تلك الأهمية؟ تقول واحدة من الاحتمالات إنها تشتمل أيضاً على إشارة الى الملف السالف الذكر– ولكن النظرية الأفضل هي أن الاتصالات الإلكترونية تمضي الى قلب الشرعية– أو اللاشرعية– لتحقيقات جورج بابادوبولس، وعلى أي حال كان مكتب التحقيقات الفدرالي سيحتاج الى معلومات استخباراتية راسخة وموثقة من أجل تبرير قيامه بعملية تحقيق استخباراتية مضادة بصورة كاملة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمرشح لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة.وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت معلومات بابادوبولس مجرد تعليقات عشوائية من رجل أسرف في الشراب وطرح مزاعم غامضة، والسؤال هو بأي وسيلة محددة وعن أي طريق وصلت تلك التفاصيل الى مكتب التحقيقات الفدرالي؟ هل جاءت عبر مصادر استخبارراتية فعلية؟ وهل شارك في ذلك أصدقاء باراك أوباما أو هيلاري كلينتون أو رجال سياسة؟ وهل أدى مكتب التحقيقات الفدرالي دوراً في تغيير الدليل وتحويل المسألة الى معلومات رسمية؟أسئلة مهمة
هذه كلها أسئلة تنطوي على أهمية كبيرة لأنها تتعلق بجزء من عمل مكتب التحقيقات الفدرالي، كما أنها تبتعد عن الرواية الكبيرة التي تقضي بإبقاء الاتصالات الإلكترونية في منظور محدد، ويحتاج مكتب التحقيقات الفدرالي بصورة دائمة الى شيء من نوع ما للقيام بتحقيق، وكما جاء في خبر صحيفة نيويورك تايمز فقد كان المزيج المكون من "عدة جوانب" هو الذي دفع مكتب التحقيقات الفدرالي الى القيام بالعمل، وذلك على الرغم من أن المكتب اختار وضع اسم جورج بابادوبولس على الورقة الرسمية.والشيء الذي ينطوي على أهمية أكبر هو الاتجاه الذي انطلق اليه التحقيق في نهاية المطاف، وأي خيط اختار مكتب التحقيقات الفدرالي أن يسحب، ويرجع ذلك الى أنه في حال قام السيد بابادوبولس بدور يبرر الإجراءات التي تم اتخاذها على صعيد رسمي فإنه لم يكن السبب وراء الانشغال اللاحق. وبعد كل شيء فإن مكتب التحقيقات الفدرالي لم يتكبد عناء إصدار مذكرة مراقبة له ولم يعمد حتى إلى إجراء مقابلة معه حتى أواخر شهر يناير من عام 2017.وما فعله مكتب التحقيقات الفدرالي كان مجرد خطوة تتعلق بالملف الذي تقر حتى صحيفة نيويورك تايمز بأنها حدثت في صيف عام 2016، وقد عزز مكتب التحقيقات الفدرالي علاقته مع السيد "ستيل" وأرسل عملاء لمقابلته وإطلاعه على مجريات الأوضاع.وما قد أصبح واضحاً جداً هو أن مكتب التحقيقات الفدرالي اعتمد بصورة كبيرة على وثيقة بحث معارض لهيلاري كلينتون في سعيه الى متابعة تحقيقات حول الرئيس ترامب، ومن المؤكد أنه لا يوجد أي قدر من الحديث عن دليل آخر يمكن أن يغير ذلك.