فشل اجتماع جديد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومجلس الأمن القومي الأميركي، مساء أمس الأول، في التوصل الى قرار حاسم حول شن ضربة عسكرية لنظام الرئيس بشار الاسد في سورية.

وذكر البيت الأبيض، في بيان، أن ترامب بحث مع فريقه للأمن القومي الأوضاع في سورية، "ولم يتم اتخاذ قرار نهائي. نواصل تقييم المعلومات ونتحدث مع الشركاء والحلفاء".

Ad

ولا يعني هذا بالضرورة أن حماس ترامب لفكرة العمل العسكري بدأ يهدأ، خاصة في ظل المخاطر الكبيرة في سورية. وتحدث ترامب إلى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، واتفقا على "الحاجة إلى رد مشترك على استخدام سورية للأسحة الكيماوية".

وغداة تغريدة محيرة لترامب أثارت ردود فعل متفاوتة بشأن تراجعه عن الضربة من عدمه، أكدت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن نيكي هيلي، احدى صقور الادارة الاميركية، رسمياً، أن بلادها اختارت التريث قبل المضي في العملية التي بدا قبل ايام انها ستكون وشيكة جداً. وشددت هيلي على أن واشنطن ولندن وباريس متأكدة من حصول هجوم كيماوي في دوما، وهي ستتحرك لمنع استخدام هذا السلاح الخطير، لكنها لا تزال تدرس الموقف وطبيعة الرد.

هجوم روسي مضاد

في غضون ذلك، بدا أمس أن روسيا بدأت هجوماً مضاداً بعد يومين من التوتر، دون أن يعني ذلك أن المحور الذي يجمعها مع الاسد وايران واحزاب مثل حزب الله اللبناني بدأ يشعر بالاطمئنان.

وغداة تحذيره من حرب وعدم استبعاده مواجهة أميركية - روسية، قال فاسيلي نيبينزيا سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، في جلسة خاصة دعت اليها بلاده، أن موسكو لن تقبل ابدا بخيار العمل العسكري الاميركي في سورية، متهما واشنطن بعدم المسؤولية وبزعزعة الاستقرار في المنطقة ونسف السلام العالمي.

تحذير لماكرون وماي

وفي اتصال هاتفي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي ايمانويل ماكرون، حذر بوتين من القيام بعملية عسكرية في سورية، وقال إنه "من الضروري تجنب اي عمل متهور وخطير يشكل انتهاكا صارخا لميثاق الامم المتحدة قد تكون له تداعيات لا يمكن توقعها".

ورغم أن ماكرون عبر عن خيبة أمل حيال اعتراض روسيا على مشروع قرار بشأن سورية للتحقيق في هجوم دوما الكيماوي، إلا انه أعرب عن رغبته بتكثيف الحوار مع روسيا من أجل حل الأزمة السورية، وعبّر عن قلقه الشديد إزاء تدهور الأوضاع على الساحة السورية. وقال الإليزيه إن الرئيس الفرنسي أكد أيضا خلال الاتصال أن بلاده لديها الدليل على استخدام الحكومة السورية الأسلحة الكيماوية في دوما.

في السياق نفسه، قالت السفارة الروسية في بريطانيا إن موسكو قلقة من دعم الوزراء البريطانيين، أمس الأول، لرئيسة حكومتهم في قرارها المشاركة في عمل عسكري، ردا على الهجوم الكيماوي السوري، مضيفة أن التقارير عن خطط شن هجوم عسكري هي بمثابة تحرك "متهور" من جانب لندن.

وفي مؤشر إضافي الى أن العمل العسكري قد يتأخر، أعلنت الحكومة الألمانية، أمس، ان المستشارة انجيلا ميركل ستلتقي ماكرون في برلين الخميس المقبل لبحث عدة ملفات ابرزها مستقبل الاتحاد الاوروبي.

الهجرة

في السياق نفسه، وفيما بدا أنه محاولة لتخويف اوروبا، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن "أي مقامرات عسكرية بشأن سورية ستؤدي إلى موجات هجرة جديدة إلى ​أوروبا​".

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الهولندي ستيف بلوك، أكد لافروف ان موسكو على تواصل دائم مع الجانب الأميركي بشأن ​سورية، لكنه اتهم مخابرات دولة، دون أن يسميها، بالوقوف وراء "تمثيلية" وقوع هجوم باستخدام أسلحة كيماوية في دوما.

ودعا لافروف إلى انتظار نتائج التحقيق في الهجوم الكيماوي "الوهمي"، لاسيما أن الخبراء سيصلون الى منطقة الحادث في دوما قريبا، مجددا تأكيد ان "الخبراء الروس لم يعثروا في هذه المنطقة على اي اثر لاستخدام مواد الكلور او غيره من المواد الكيماوية".

واعرب عن امله أن تلجأ واشنطن للقنوات الدبلوماسية في التعامل مع روسيا "بدون تهديدات وانذارات". وقال إن "روسيا تأمل كذلك ألا تقوم واشنطن وباريس ولندن بأي مغامرة في سورية، وفقا للسيناريو الذي جرى في العراق وليبيا".

إجراءات عسكرية

وبانتظار وصول حاملة الطائرات الأميركية "يو اس اس هاري اس ترومان" برفقة مجموعة بحرية ضاربة، الى البحر الأبيض المتوسط، قال نائب رئيس جهاز مراقبة الملاحة الجوية في قبرص هاريز أنطونياديس، أن بريطانيا أرسلت أمس طلبا لقبرص بحجز جزء من مجالها الجوى وتكريسه للطائرات البريطانية. وقال في مقابلة مع قناة سيغما التليفزيونية: "الطلب لا يزال قيد الدراسة، وهذا لا يعني إلغاء الرحلات الجوية. لم تلغ أي شركة طيران رحلاتها من وإلى لارنكا". وأشار أنطونياديس، إلى حدوث تغييرات هامة في المجال الجوي لقبرص منذ أمس الأول الخميس.

وذكر أنه قد تم تحويل معظم الحركة الجوية الآن إلى الغرب والجنوب وتقليصها نحو الشرق، وهو ما يؤدي إلى بعض الازدحام في الأجواء. وقال: "لدينا دور تنسيقي بالتعاون مع البريطانيين، وكذلك مع العديد من شركات الطيران التي تشعر بالقلق وتطلب معلومات إضافية".

في غضون ذلك، أفادت مواقع مقربة من النظام السوري​ بأن "​القوات​ الأميركية مع مقاتلي قسد، دفعوا بتعزيزات كبيرة على خطوط التماس مع ​الجيش السوري​ والقوات الرديفه له من بلدة خشام بريف ​دير الزور​ الجنوبي الشرقي حتى بلدة الحسينية بريف ​دير الزور​ الشمالي الشرقي".

وتشير تقديرات إلى أن موسكو تنشر عشرات الطائرات في قاعدة حميميم الجوية في سورية بينها مقاتلات وقاذفات، فضلا عما يتراوح بين 10 و15 سفينة حربية وسفينة دعم في البحر المتوسط.

وتملك القوات السورية والروسية صواريخ أرض جو محمولة على شاحنات، فضلا عن أنظمة مدفعية مضادة للطائرات.

المعارضون في بريطانيا وفرنسا يتحركون ضد «الضربة»

صعد زعيم حزب العمال المعارض في بريطانيا اليساري المتشدد المثير للجدل جيريمي كوربين معارضته لمشاركة بريطانيا في عملية عسكرية أميركية تقودها أميركا في سورية، رداً على استخدام السلاح الكيماوي في مدينة دوما السورية، قائلا إنه "على بريطانيا السعي لإجراء تحقيق مستقل تقوده الأمم المتحدة قبل محاسبة المسؤولين عنه".

وغداة حصول رئيسة الوزراء المحافظة تيريزا ماي على تأييد كبار أعضاء حكومتها لاتخاذ إجراء لم يتحدد لردع الحكومة السورية عن استخدام الأسلحة الكيماوية، قال كوربين إنه يجب أخذ رأي البرلمان قبل أي عمل عسكري. وتابع: "يبدو أن الحكومة تنتظر التعليمات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن كيفية التصرف".

وفي فرنسا، طلب كريستيان جاكوب زعيم كتلة "الجمهوريون" المعارضة في الجمعية الوطنية الفرنسية أمس "نقاشا دون تصويت" حول توجيه ضربات محتملة في سورية.

وقال جاكوب: "نحن في خضم مسألة خطيرة، وهناك خطر حقيقي لاندلاع حرب عالمية".

وأضاف: "في حال اتخاذ قرار، أتمنى أن يكون ذلك تم بشكل متأن، واعتقد أن هذا من شأنه أن يبرر النقاش في الجمعية الوطنية".

وتابع ان "السلطة التنفيذية، وهذا أمر طبيعي، تتمتع بإمكانية الاطلاع على المعلومات التي لا نملكها كبرلمانيين"، لافتا إلى أن "العقوبة" لاستخدام الاسلحة الكيماوية "نفهمها جيدا (...) الآن يجب النظر الى امكانيات اخرى لممارسة الضغوط. أعتقد اننا بحاجة الى الحفاظ على الكثير من برودة الأعصاب".

من جهته، قال وزير الدولة للعلاقات مع البرلمان كريستوف كاستانير: "إذا كانت الظروف مؤاتية لتوجيه ضربات، فإن ذلك سيحدث. سنقوم بإبلاغ الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ عندما يحين الوقت، لكن من المهم أيضاً أن يبقى هذا سراً، لأن مصالح فرنسا على المحك، وكذلك حماية المدنيين".