نرجع ألف باء... الدستور جاء لحماية خصوصياتنا والاختلافات بيننا، وليس فقط لتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتوزيع السلطات والحقوق والواجبات، ولا قيمة للحرية السياسية إذا لم تأتِ لحماية الحريات الشخصية الخاصة والصغيرة، فهناك مواد أساسية لا يمكن المساس بها إلا بالزيادة؛ تكفل حماية حرية الفرد من تعسف الأغلبية. لذا، وبعد ما تقدم، وبما أن الدستور يكفل لي تفردي واختلافي، فلا أحد مضطر لإقناع أحد بأفكاره وسلوكياته، حتى يرضى عنها، مادامت لا تخالف القانون الدستوري. فلمن لا يعلم، هناك العديد من القوانين الجزائية وغيرها تعاني شبهة عدم الدستورية، وتم إقرارها بجهل أو تجاهل، باختصار: ليس مهماً رضاك عني، وإذا لم يعجبك شيء صدر مني فأمامك خياران لا ثالث لهما؛ تغض النظر وتبتعد، أو تشرب من البحر، وابتعد عن الجون فهو ملوث. أما ضرب الرأس بالحائط، فقد يتسبب لك بخلل أكبر من الذي أنت فيه من استسهال للتدخل في خصوصيات الآخرين، لذا فإني لا أحبذه لك. عندما تسأل أي عائد من السفر عن أكثر ما أعجبه في البلاد التي زارها يجيبك بلهجة الحُر المنفتح الواثق: "ياخي خوش ديرة، محد له شغل بأحد!"، ثم يبدأ ذات الأخ اللطيف فور أن تطأ قدماه المباركتان أرض البلاد ممارسة هوايته المزمنة بإزعاج الآخرين والتطفل على حياتهم الخاصة والتدخل بتفضيلات الناس واختياراتهم الشخصية وحرياتهم الفردية، بهدف هدايتهم لطريق الصواب الذي يراه مناسباً لهم ولمحطتهم الأخيرة، والخسارة تكون مضاعفة إذا ما كان حضرته حزبياً وموظفاً بأجهزة الدولة في الوقت ذاته، فهو عوضاً عن خدمة الناس ورعاية مصالح الدولة يفعل العكس، ويجير مصالح الدولة لزيادة شعبية حزبه وجماعته "الملاقيف" لدى الناس، وكله على حساب الأموال العامة، وخذوا مثلاً حملة الحجاب الأخيرة، وبغض النظر عن سذاجة الطرح وأنانيته وتركيزها على الشكل دون المضمون، فحجابك لك وحدك وأخلاقك لنا جميعاً، إلا أنه مازال يداخلني شك بأنها لا تعدو كونها حملة انتخابية مبكرة للمشرف عليها، قائمة على اللقافة، ومن "چيس" الميزانية العامة، ولا تعبر عن السياسة الرسمية لوزارة أوقاف حكومة دولة الكويت المدنية، والله أعلم.
ليس من الضروري أن تقتنع بما أريد وأحب وأعمل وألبس وآكل وأشرب، والعكس صحيح، مادمت لا تزعجني، ذائقتي ومتطلباتي واهتماماتي تختلف عنك، ولا يوسوس لك الشيطان ويجعلك تعتقد أن هواجسك وعادات أهلك التي نشأت عليها في البيت هي ما يجب أن يلتزم به الجميع، كما أنك لست بهذا الكمال الذي قد يدفعك لتسد نقص الآخرين، وإن كانت لا تعجبك تصرفاتهم فمن حقك رفضها وانتقادها، فالوضع هنا مختلف بحكم الدستور وهامش الحريات سابق الإيضاح أعلاه، وهو أمر لك وعليك، فمن حقك أن تنشر وتروج لما تشاء، ومن حقنا أيضاً أن نرد ونكشف ما ترمي إليه من أهداف بعيدة المدى تحلم بفرضها علينا، ولكن لا يحق لك بأي حال من الأحوال أن تستغل أجهزة الدولة ومنابرها وأموالها، وتشحن الناس بأفكارك التي لا تعدو غالباً كونها لقافة مغلفة بالدين وتنتهك الدستور، ثم تطلب منه أن يحميك في مكان آخر، ولا تعتقد أبداً أن من زادت لقافته حسن إسلامه، وتذكر دائماً أن "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" و"إنَّك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم"، و"كل نفس بما كسبت رهينة"، ثم إن طريقك للجنة لا يتقاطع معنا، فاستقم واضبط حالك وتوكل على الله، فكلٌّ آتيه يوم القيامة فرداً. وبالمقابل، من واجبنا الأخلاقي نشر ثقافة "التچعم" والكبح، فثلثا الحرية "مو شغلك"، والثلث الباقي "إنت شكو"..
أخر كلام
نقطة: شعب الله الملقوب!
14-04-2018