أين العالم «الحر»؟
لن نتوقف عن دق جدران الخزان، ولن نتراخى لحظة عن إشعار العالم بوجودنا وعدالة قضيتنا، ولن نتوقف برهة عن طرح السؤالين اللذين يزعجان الكثيرين: أين عالمكم "الحر"؟ ولماذا يصمت على ظلم وجرائم حكام إسرائيل وجيشها؟
لو أن ما قام به الجيش الإسرائيلي من اعتداءات وحشية على المتظاهرين العزل والصحافيين والمسعفين الفلسطينيين جرى في مكان آخر من العالم، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولامتلأت شاشات التلفزة العالمية بالتقارير، ولتبارى كتاب أعمدة الصحف على وصف المجازر وإدانة النظام الذي يرتكبها، بل لربما تحركت الأساطيل وأطلقت صواريخ الكروز وتوماهوك، ولقصفت الطائرات جيش ذلك البلد وحتى مدنييه.أما في فلسطين حيث أصاب الجيش الإسرائيلي بالرصاص القاتل الحي ما لا يقل عن ألف وأربعمئة متظاهر سلمي في قطاع غزة والضفة الغربية، فاستشهد منهم واحد وثلاثون، وأصابوا بالرصاص المعدني وقنابل الصوت والغاز ما لا يقل عن ألفي متظاهر حتى اليوم، فقد صم آذاننا الصمت المريب لمعظم الإذاعات والصحف الدولية، وآذت أعيننا العتمة الكاملة لشاشات محطات التلفزة العالمية. فلماذا يسمح ما يسمى "العالم الحر"، أو معظمه حتى لا نظلم أحدا، لإسرائيل بأن تكون هي وجيشها مارقة إلى أبعد الحدود، وخارقة لكل القوانين الدولية، ومرتكبة لأبشع جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، دون أن تحاسب أو تساءل؟
شهدت بنفسي يوم الجمعة الماضي ما فعله الجيش الإسرائيلي أمام مستعمرة بيت إيل في المدخل الشمالي لمدينة البيرة المجاورة لرام الله، إذ لم يكتف الجيش بإطلاق الرصاص الحي والمعدني وقنابل الغاز والصوت على المتظاهرين العزل، بل تعمد الاعتداء على الصحافيين، ثم هاجم متطوعي الإغاثة الطبية والهلال الأحمر المسعفين أثناء محاولتهم علاج أحد الجرحى، فضربوهم بأعقاب البنادق، ثم أطلقوا عليهم الرصاص المعدني وقنابل الغاز من مسافة صفر، ثم رشوا عيونهم بالفلفل الحارق مما أدى إلى نقل عشرة منهم إلى المستشفيات لينضموا إلى صحافي شق وجهه برصاصهم، وإلى عدة متظاهرين أصيبوا بالرصاص الحي. وفي قطاع غزة زاد عدد المصابين يوم الجمعة الماضي على تسعمئة وستين من بينهم سبعة عشر صحافيا ومسعفا طبيا وأربعة وخمسون طفلا وخمس عشرة امرأة، وواصل الإسرائيليون فرض حصارهم الخانق على القطاع، وتفنن قناصوهم في استهداف المدنيين. لو أن مارتن لوثر كينغ، وغاندي، ونيلسون مانديلا كانوا أحياءً لصرخوا إلى جانبنا على العالم، وعلى صحافييه وكتابه وساسته، وطالبوهم بعدم الصمت عن قول الحقيقة والإقلاع عن ازدواجية المعايير التي تجسدت في هذا الأسبوع، ولقالوا لنا: لا تُحبطوا من هذا التقصير ولا تنزعجوا من هذا الصمت، فنحن أيضا عانينا منه طويلا حتى أيقظ نضالُنا كل الضمائر، وأحرجت تضحياتُنا صمتهم، وأجبرت مثابرتنا ساستهم على الالتفات لنضالنا بعد أن تأثرت مصالحهم. ونحن الفلسطينيين لن نحبط ولن نيأس ولن نتراجع، لأن عزيمتنا أقوى من بأس المحتلين، وإرادتنا أشد من قمعهم، وصبرنا أطول من عنادهم، ونضالنا أنبل من أن تطوله أكاذيبهم وخدعهم، وعِلمُنا بالتاريخ يجعل ثقتنا راسخة بأننا سننتصر.لكننا لن نتوقف عن دق جدران الخزان، ولن نتراخى لحظة عن إشعار العالم بوجودنا وبعدالة قضيتنا، ولن نتوقف برهة عن طرح السؤالين اللذين يزعجان الكثيرين: أين عالمكم "الحر"؟ ولماذا يصمت على ظلم وجرائم حكام إسرائيل وجيشها؟* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية