ماذا نفهم من شهادة مارك زوكربيرغ؟
لا شك أن الاعتذار تجربة غنية، ولكن بالنسبة إلى مارك زوكربيرغ، الذي مر الأسبوع الماضي بيومَين من المساءلة أمام الكونغرس، لم تقتصر مكافآت الندم على المكاسب المجازية، فيما راح مدير فيسبوك يعتذر خلال شهادته عن تسريب بيانات 87 مليون مستخدم لشركة حملات سياسية، ارتفعت أسهم شركته بنسبة 5.7% وقيمته الصافية بنحو 3.2 مليارات دولار.لا شك أن المساهمين ارتاحوا لأداء زوكربيرغ الآلي إنما الخالي من أي هفوات، حتى أشد منتقدي هذه الشركة مضطرون إلى الإقرار بالمسافة التي قطعتها منذ خروج قصة "كامبريدج أناليتيكا" إلى العلن في شهر مارس، وقد رحّب زوكربيرغ بفكرة فرض تنظيمات وأيّد بحذر القانون الأوروبي المقبل بشأن حماية البيانات، وبإعلانه صراحة أن فيسبوك مسؤولة عن محتوى منصتها، مهّد الطريق أمام تحمله مسؤولية أكبر عن هذا المحتوى، لكن الارتفاع في أسعار الأسهم يشير أيضاً إلى تطور مقلق: لم تفهم الشركة ولا المشرعون الأميركيون الحاجة إلى تغيير جذري.لنبدأ بفيسبوك، أخبر زوكربيرغ الكونغرس أن كل شركة تنمو بالسرعة التي كبرت بها فيسبوك سترتكب الأخطاء لا محالة، لكن هذا العذر البسيط يبدو واهياً جداً. تحتل فيسبوك المرتبة السادسة بين الشركات المسجلة الأكثر قيمة في العالم، كذلك أنفقت 11.5 مليون دولار لتشكيل مجموعات ضغط في واشنطن عام 2017، أما كلامها الساذج عن "المجتمع" يغدو بلا قيمة عندما تتجاهل بشكل فادح ومتكرر حق مستخدميها التحكم في بياناتهم الخاصة.
أقدمت هذه الشركة على مناورات مخادعة عدة في الأسابيع الأخيرة بجعل إعدادات الخصوصية أكثر وضوحاً إلى التعهد بالتدقيق في التطبيقات المريبة، ولكن عليها أن تبذل جهداً أكبر بكثير. لكن إجراء تحقيق داخلي في استخدام تطبيقات تنتمي إلى أطراف ثالثة لبيانات المستخدمين على فيسبوك لن يكون كافياً لاستعادة الثقة: من الضروري تعيين شركة لا علاقة لها بفيسبوك بغية إجراء تدقيق مستقل شامل في سلوكها. ولا شك أن هذه الخطوة ستساهم في الإجابة عن الأسئلة العالقة. على سبيل المثال قد تكون كامبريدج أناليتيكا واحدة من مؤسسات مماثلة كثيرة حصلت على بيانات المستخدمين، كذلك يشكّل تعيين رئيس مجلس إدارة مستقل خطوة أخرى لتحسين نوعية المناظرات والتدقيق داخل فيسبوك، وبالتعاون مع شركات تكنولوجيا أخرى، عليها أيضاً أن تؤسس كياناً في هذا القطاع يدرس الشكاوى وتشمل وظائفه تسهيل ولوج الباحثين المستقلين المنصات، ولكن بدل الانفتاح يمكن الخطر في أن تعمد فيسبوك إلى تشييد الجدران: لقرارها طرد وسطاء البيانات المنتمين إلى أطراف ثالثة من المنصة تأثير مزدوج ملائم لأنه يحمي بيانات المستخدمين ويعزز سلطة فيسبوك بصفتها مصدر تلك البيانات. مشرعون واسعو الاطلاعحتى لو أنجزت فيسبوك كل هذه الخطوات، لا يلغي ذلك الحاجة إلى تنظيمات لحماية البيانات في الولايات المتحدة، إذ يحظى زوكربيرغ بغالبية حقوق التصويت في شركته، ولا يمكن لرئيس مجلس إدارة مستقل أن يمنعه من الحصول على سيطرة مطلقة، كذلك تتبنى فيسبوك نموذج عمل قائماً على الإعلانات يدفعها إلى تحويل بيانات المستخدمين الشخصية إلى أهداف للإعلانات، ولم تأتِ فيسبوك على ذكر أي أمر عن إمكان اختيار الناس وقف عملية تتبعهم عبر الإنترنت، كذلك يصعب جداً على مستخدمي الخدمات عبر الإنترنت القيام بخيارات مدروسة بشأن كيفية تخزين بياناتهم، لكن هذه المسألة تشمل عموماً عدداً كبيراً من الشركات لا فيسبوك وحدها.يقودنا هذا إلى مصدر قلق إضافي برز خلال جلسات استماع هذا الأسبوع: قدرة صانعي السياسات على صوغ تشريع جيد، صحيح أن زوكربيرغ أعرب عن كفاءة عالية، إلا أن مستجوبيه بدوا جاهلين عموماً، فلم يعرف أحدهم أن الشركة تجني المال من الإعلانات، في حين أعربت مشرّعة أخرى عن اهتمام أكبر بحمل فيسبوك على إنشاء كيبل ألياف بصرية في ولايتها، ولكن كي يعمل اقتصاد البيانات لمصلحة مستخدميه، نحتاج إلى سياسة مدروسة وتبدل جذري في طريقة إدارة شركات التكنولوجيا، ولكن بالاستناد إلى الأدلة التي حصلنا عليها الأسبوع الماضي، نلاحظ أن هاتين الخطوتين بعيدتا الاحتمال.