كيف تكسب هيئة مكافحة الفساد ثقة المجتمع؟
إذا أرادت هيئة مكافحة الفساد كسب ثقة المجتمع فإن عليها إقناع الناس بقدرتها على التعامل مع البلاغات المقدمة لها بمسطرة واحدة، وإحالة الفاسدين للقضاء بدون تمييز، وضمان حماية مقدم البلاغ، ثم نجاحها في إدانة ومعاقبة من تمت إحالتهم لتتحقق أهداف عمل الهيئة، وحينئذ سيطمئن الناس للتعامل معها.
أجريت استبياناً موجزاً في حسابي في "تويتر" من سؤال واحد فقط لمعرفة ثقة الناس بالتعاون مع هيئة مكافحة الفساد، وكان نص السؤال: "إذا وقعت بين يديك معلومات موثوقة عن قضية فساد حكومي، فهل تبادر بتقديم بلاغ لهيئة مكافحة الفساد". وقد رتبت أربع إجابات يختار منها المشاركون إجابة واحدة فقط، كالتالي: (نعم 40%)، (لا 25%)، (أخشى انتقام باقي الأطراف 22%)، (أقدمها عن طريق وسيط 13%)، وبلغ عددالمشاركين 3000 شخص تقريباً، وبالطبع لا يعتبر هذا الاستبيان دراسة علمية لكنه بالنسبة إلي على الأقل هو مؤشر لنظرة شريحة واسعة لعمل الهيئة.%53 مستعدون لتقديم بلاغاتهم للهيئة إذا كانت لديهم معلومات موثقة، لكن جزءاً منهم اشترط أن يكون ذلك عبر وسيط، وفي المقابل 47% سيمتنعون عن تقديم بلاغاتهم للهيئة حتى لو وقعت بين يديهم معلومات موثقة عن الفساد، ونصفهم تقريباً برر امتناعه عن ذلك لخوفه من انتقام الأطراف المعنية بالشكوى.
بالنسبة إلي أجد تخوف الناس من مشاركة معلوماتهم عن وقائع الفساد الحكومي متوقعة، فتاريخياً في الكويت حالات محاسبة فاسدين حقيقيين في الحكومة نادرة، ومع اشتهار قصص الفساد في المناقصات والعقود والرشوة والتلاعب بالمال العام والاستفادة من المناصب والتكسب غير المشروع إلا أن محاسبة ومعاقبة أصحاب هذا الفساد لم تكن فعالة ولا مؤثرة، وإذا ما وقعت عقوبات فإنها تكون من نصيب صغار الموظفين، كما أن حالات ملاحقة أصحاب الشكاوى والتربص بهم وبمستقبلهم الوظيفي عديدة ومقلقة في مختلف جهات الدولة.من جانب آخر فإن بداية هيئة مكافحة الفساد المتعثرة وتأخر إنشائها وإبطالها دستوريا، ثم إعادتها بقانون جديد وقصص خلافات مجلس الأمناء مع رئاسة الهيئة، وإحالة أمينها العام للتقاعد، وشكاوى البعض من آلية التعيين فيها، كل هذه الأمور أسكنت في نفوس الناس نظرة غير إيجابية للهيئة ومدى تحقيقها لأهدافها، فإذا أضفنا لذلك أن الهيئة لا تعلن أعمالها للمجتمع بشفافية كاملة، فنحن لا نعلم كم بلاغاً تلقت الهيئة منذ إنشائها؟ وما نوعيتها؟ وماذا تم بشأنها بالتفصيل؟ وهل توجد بلاغات ما زالت تدرس؟ وهل توجد بلاغات تم حفظها؟ وما أسباب الحفظ؟ وكيف يمكن لمن حفظت بلاغاته أن يتظلم من ذلك وفقا للقانون؟أعتقد أن هيئة مكافحة الفساد إذا أرادت كسب ثقة المجتمع فإن عليها إقناع الناس بقدرتها على التعامل مع البلاغات المقدمة لها بمسطرة واحدة، وإحالة الفاسدين للقضاء بدون تمييز، وضمان حماية مقدم البلاغ، ثم نجاحها في إدانة ومعاقبة من تمت إحالتهم لتتحقق أهداف عمل الهيئة، وحينئذ سيطمئن الناس للتعامل معها وسيبادرون تلقائيا لتقديم ما لديهم من وقائع فساد إداري ومالي، وهذه أفضل دعاية تنظمها الهيئة لنفسها، وبدون بهرجة ولا مؤتمرات ولا ندوات وبأقل التكاليف والخسائر. والله الموفق.