يشكل تغير المناخ بلا شك تهديداً قوياً- بل وجودياً- على كوكب الأرض، ولكن النهج الحالي للتخفيف من حدته، والذي يعكس تركيزا فريدا على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إلحاق ضرر جسيم، حيث يخفق في تفسير استنفاد موارد الطاقة، ويساهم بشكل رئيس في تغير المناخ.

"إن المياه هي في صميم أسباب وآثار تغير المناخ"، وفقا لتقرير مجلس الموارد الوطنية، وبالفعل فإن حلقة المياه- عمليات هطول الأمطار والتبخر والتجميد والذوبان والتكثيف التي تنقل المياه من السحب إلى اليابسة إلى المحيط والعكس- ترتبط ارتباطا وثيقا بتبادل الطاقة بين الأرض والمحيط والغلاف الجوي الذي يقوم بتحديد مناخ الأرض. فكما أن تراكم الكربون في الغلاف الجوي يسهم في تغير المناخ، كذلك يساهم تدهور موارد المياه ونفادها في ذلك، وهذه العمليات يعزز بعضها بعضا، ويدفع ويكثيف بعضها بعضا.

Ad

يتطلب استخراج الطاقة والمعالجة (بما في ذلك التكرير) والإنتاج استخدام المياه بكثافة، فقطاع الطاقة هو أكبر مستهلك للمياه في كل دولة متقدمة باستثناء أستراليا، حيث تأتي الزراعة، كما هي الحال في معظم البلدان النامية، في الدرجة الأولى، ففي الاتحاد الأوروبي، تمثل محطات توليد الكهرباء وحدها 44٪ من مجموع المياه العذبة المستهلكة كل عام، وفي الولايات المتحدة هذا الرقم يناهز 41٪.

وكلما ازدادت الموارد المائية صعوبة ازداد الطلب على قطاع المياه، حيث يجب ضخ المياه الجوفية من أعماق أكبر، ويجب نقل المياه السطحية عبر مسافات أطول. في الهند، على سبيل المثال، تضم الطاقة الآن نحو 90٪ من تكلفة المياه الجوفية.

وبما أن هذه العمليات تغذي تقلب المناخ، فإنها تقلل من توافر المياه وتعزز الطلب على الطاقة أكثر من ذلك، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة يصعب كسرها. في الواقع، يتطلب تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء وتحقيق الأهداف الوطنية لإنتاج الوقود الحيوي وأنواع الوقود البديلة الأخرى زيادة أكثر من الضعف في الاستخدام العالمي للمياه لإنتاج الطاقة خلال ربع القرن القادم.

الطريقة الوحيدة لكسر هذه الدورة- وبالتالي التخفيف من تغير المناخ بشكل فعال- هي إدارة العلاقة بين الماء والطاقة (بالإضافة إلى الغذاء الذي يعتمد إنتاجه على الماء والطاقة). بعبارة أخرى يجب على الدول أن تتخذ خيارات في مجال الطاقة لا تكون أقل كثافة في استخدام الكربون فحسب، بل إنها أقل كثافة في استهلاك المياه.

مع توتر إمدادات المياه العالمية لا يمكن أن يكون التحول إلى استخدام الطاقة الذكية في مجال الطاقة أكثر إلحاحا، إذ يواجه ثلثا سكان العالم- خصوصا في وسط وجنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا- نقصا خطيرا في المياه. فآسيا- أكبر محرك لزيادة الطلب العالمي على الطاقة- هي أيضاً القارة الأكثر جفافاً في العالم، والتي تقاس بمدى توافر المياه للفرد الواحد.

في هذه المناطق المجهدة بالمياه، بدأ النقص بالفعل في تقييد التوسع في البنية التحتية للطاقة، أحد الأسباب المهمة وراء فشل الصين في تطوير صناعة الهيدروكربون الصخرية لديها هو عدم كفاية المياه في المناطق التي توجد فيها مخزوناتها. (لاستخراج الطاقة من الصخر الزيتي، يجب إطلاق ملايين الغالونات من الماء عليه).

كما أدت زيادة الإجهاد المائي إلى ارتفاع تكاليف مشاريع توليد الطاقة الحالية، مما قد يعرض سلامتها للخطر، فقد أدى الجفاف الذي شهدته الألفية في أستراليا، والذي استمر من أواخر التسعينيات حتى 2012، إلى تقويض إنتاج الطاقة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

ومع نقص الطاقة عادة ما يكون أشد في المناطق المجهدة بالماء، ما الدول المتأثرة؟ بداية، يجب أن ندرك أن الطاقة "النظيفة" من حيث الكربون يمكن أن تكون "قذرة" من منظور الموارد المائية. على سبيل المثال يتطلب الفحم "النظيف" الذي يشتمل على تخزين الكربون، إلى جانب الطاقة النووية، في أعلى مستوى من كثافة المياه.

بعض مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الحرارية الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية، هي أيضا ذات كثافة مائية عالية، وعلى النقيض من ذلك لا تحتاج الطاقة الشمسية الفولطاضوئية وطاقة الرياح- وهما تكنولوجيتان متجددتان تكتسبان قوة السحب على مستوى العالم- إلى الماء للقيام بعملياتهما الطبيعية، وبالتالي ينبغي أن يكون تشجيع تطوير هذه المصادر أولوية عالية.

لكن نوع الطاقة المستخدمة ليس المشكلة الوحيدة، فمن المهم أيضا اختيار الأنواع الصحيحة من النباتات في مرحلة التخطيط، ويمكن لتقنيات التبريد البديلة لتوليد الطاقة، بما في ذلك التبريد الجاف أو الهجين، أن تقلل من استهلاك المياه (على الرغم من أن استخدام مثل هذه التقنيات حاليا مقيَّد بضعف الكفاءة وارتفاع التكاليف).

كما ينبغي أن تكون محطات توليد الطاقة موجودة في أماكن لا تعتمد فيها على موارد المياه العذبة، بل على المياه المالحة أو المتدهورة أو المستصلحة، ففي آسيا، التي تقود العالم الآن من حيث إضافة الطاقة النووية، تقع معظم المصانع الجديدة على طول الخطوط الساحلية، بحيث يمكن لهذه المرافق العطشى أن تستقطب المزيد من مياه البحر.

ومع ذلك، هناك مخاطر كبيرة، فارتفاع مستويات البحار، نتيجة لتغير المناخ، يمكن أن يشكل تهديداً أقوى بكثير من الكوارث الطبيعية، مثل كارثة تسونامي التي تسببت في كارثة فوكوشيما في اليابان في عام 2011، وعلاوة على ذلك مع المناطق الساحلية ذات الكثافة السكانية العالية والقيمة الاقتصادية، لم يعد العثور على مواقع ساحلية مناسبة لمحطات نووية جديدة أمراً سهلاً. على الرغم من امتلاك الهند أكثر من 4500 ميل (7200 كيلومتر) من السواحل، فقد ناضلت لتنفيذ توسعها المخطط للطاقة النووية عبر محطات ساحلية، بسبب معارضة شعبية قوية.

لا يمكن ضمان أمن الطاقة الحقيقي إلا في سياق الاستدامة في الموارد والمناخ والاستدامة البيئية، ولا يقتصر التركيز العالمي على الحد من الكربون على حجب هذه الروابط الحرجة فحسب، بل يشجع أيضا على اتخاذ تدابير تؤثر سلبا على استقرار الموارد، فقد حان الوقت لاعتماد نهج أكثر شمولاً ومتكاملاً وطويل الأجل لإدارة وتخطيط الطاقة والمياه والموارد الأخرى، بهدف حماية البيئة على نطاق أوسع، وإلا فإننا سنفشل في مواجهة تحديات التنمية المستدامة التي نواجهها، والتي ستكون لها عواقب مدمرة، بدءا بأكثر مناطق العالم توتراً.

* براهما تشيلاني

* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات ومقره نيودلهي، وزميل في أكاديمية روبرت بوش في برلين، ومؤلف تسعة كتب، بما في ذلك "الطاغوت الآسيوي"، و"المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا، و"المياه، والسلام، والحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية".

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»