فيسبوك ومستقبل الخصوصية على الإنترنت
نجحت قوة الضغط الهائلة التي تمتلكها شركة فيسبوك حتى الآن في درء الأفكار العملية التي طرحها كوينتاريلي، وسبيكرمان، وزملاؤهما من الناشطين، لكن الفضيحة الأخيرة فتحت أعين جماهير الناس ونبهتهم إلى التهديد الذي يفرضه التقاعس عن التحرك على الديمقراطية ذاتها.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
ويرى كوينتاريلي أن إساءة استخدام كمبريدج أناليتيكا للبيانات التي حصلت عليها من فيسبوك كانت نتيجة حتمية لنموذج أعمال غير مسؤول، والآن اعترفت شركة فيسبوك بأن كمبريدج أناليتيكا ليست وحدها في استغلال الملفات الشخصية التي تحصل عليها من فيسبوك.في اتصالات شخصية أجريتها مع كوينتاريلي، قال إن ضوابط الاتحاد الأوروبي التنظيمية العامة لحماية البيانات، التي تدخل حيز التنفيذ في الخامس والعشرين من مايو، بعد ست سنوات من التحضير والمناقشات، "من الممكن أن تخدم كدليل في بعض الجوانب". وبموجب الضوابط التنظيمية العامة لحماية البيانات قد تواجه المنظمات غير الممتثلة غرامات باهظة، قد تصل إلى 4% من عائداتها، ولو كانت الضوابط العامة لحماية البيانات سارية بالفعل، فإن فيسبوك كانت ستضطر إلى إخطار السلطات، قبل فترة طويلة من الانتخابات الأميركية الأخيرة، عن أي تسريب للبيانات بمجرد علمها به، حتى تتجنب مثل هذه الغرامات.ويؤكد كوينتاريلي أن "المنافسة الفعّالة أداة قوية لزيادة التنوع الحيوي وحمايته في الفضاء الرقمي"، وهنا ينبغي للضوابط التنظيمية العامة لحماية البيانات أن تساعد، لأنها "تقدم مفهوم قابلية الملفات الشخصية للنقل، والذي بموجبه يستطيع المستخدم أن ينقل ملفه الشخصي من أحد مقدمي الخدمة إلى آخر، تماما كما نفعل عندما ننقل ملفنا الهاتفي- رقم الهاتف المحمول- من مشغل إلى آخر.ويضيف كوينتاريلي: "لكن من المؤكد أن هذا الشكل من أشكال الملكية لبيانات الملف الشخصي ليس كافيا"، فالربط البيني لا يقل أهمية، إذ "ينبغي للمشغل الذي ننقل إليه ملفنا الشخصي أن يكون على ارتباط مع المشغل المصدر حتى لا نفقد القدرة على الاتصال بأصدقائنا على الإنترنت، وقد بات هذا في حكم الممكن اليوم بفضل تكنولوجيات مثل IPFS وSolid، التي طورها مخترع الشبكة العنكبوتية تيم بيرنرز لي".تُعَد ساره سبيكرمان، أستاذة الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة فيينا، ورئيسة معهد أنظمة معلومات الإدارة في الجامعة نفسها، رائدة أخرى في مجال خصوصية الإنترنت والتي حذرت لفترة طويلة من ذلك النوع من الانتهاكات التي نشهدها مع فيسبوك، وتؤكد سبيكرمان، التي تُعَد سلطة عالمية في مجال المتاجرة في الهويات على الإنترنت لأغراض الإعلانات الموجهة، أو الدعاية السياسية، أو المراقبة العامة والخاصة، أو غير ذلك من الأغراض الشريرة الخبيثة، الحاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة في التعامل مع "أسواق البيانات الشخصية". قالت لي سبيكرمان: "منذ أن بدأ المنتدى الاقتصادي العالمي مناقشة البيانات الشخصية باعتبارها فئة جديدة من الأصول في عام 2011، ازدهرت أسواق البيانات الشخصية على فكرة مفادها أن البيانات الشخصية ربما تكون النفط الجديد في الاقتصاد الرقمي وكذا في السياسة. ونتيجة لهذا تشارك أكثر من ألف شركة الآن في سلسلة قيمة المعلومات الرقمية التي تحصد البيانات من أي نشاط على الإنترنت وتسلم المحتوى المستهدف إلى مستخدمي الإنترنت أو الجوال في غضون 36 ثانية تقريبا من دخولها إلى العالَم الرقمي. والواقع أن فيسبوك أو غوغل أو أبل أو أمازون ليست وحدها في حصد واستخدام بياناتنا لأي غرض قد يفكر فيه المرء. وتمتلك منصات إدارة البيانات كتلك التي تديرها شركات مثل أكسيوم أو أوراكل بلوكاي آلاف السمات الشخصية والملفات النفسية الاجتماعية حول مئات الملايين من المستخدمين".في حين تعتقد سبيكرمان أن "سوق البيانات الشخصية والبيانات المستخدمة داخلها لابد أن تُحظَر في هيئتها الحالية"، فإنها ترى أن الضوابط العامة لحماية البيانات حافز جيد لحمل الشركات في مختلف أنحاء العالَم على مراجعة ممارسات مشاركة البيانات الشخصية". وهي تلاحظ أيضا أن "بيئة ثرية للخدمات التي تحترم الخصوصية على الإنترنت بدأت تعمل وتنطلق"، وقد تناولت دراسة أجرتها مجموعة من الطلاب الخريجين في جامعة فيينا "قياس ممارسات جمع البيانات من أكبر مقدمي الخدمات على الإنترنت (مثل غوغل أو فيسبوك أو أبل) ومقارنتها بمنافسين يحترمون الخصوصية". وهي تقول إن الدراسة "تعطي الجميع الفرصة لتحويل الخدمات على الفور".نجحت قوة الضغط الهائلة التي تمتلكها شركة فيسبوك حتى الآن في درء الأفكار العملية التي طرحها كوينتاريلي، وسبيكرمان، وزملاؤهما من الناشطين، لكن الفضيحة الأخيرة، فتحت أعين جماهير الناس ونبهتهم إلى التهديد الذي يفرضه التقاعس عن التحرك على الديمقراطية ذاتها.حمل الاتحاد الأوروبي زمام المبادرة في الاستجابة، وذلك بفضل معايير الخصوصية الجديدة واقتراح فرض ضرائب أكبر على فيسبوك وغيره من باعة البيانات الشخصية على الإنترنت، لكن المزيد من الجهد مطلوب وممكن، والواقع أن كوينتاريلي، وسبيكرمان، وزملاءهما من المدافعين عن الأخلاقيات على الإنترنت يعرضون علينا مسارا عمليا إلى إنترنت تتسم بالشفافية، والنزاهة، والديمقراطية، واحترام الحقوق الشخصية.* جيفري ساكس* أستاذ في جامعة كولومبيا، ومدير مركز كولومبيا للتنمية المستدامة وشبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة.«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»