يكثر الحديث في العراق هذه الأيام، عشية إجراء الانتخابات النيابية الجديدة، التي من المتوقع أن تترتب على نتائجها "متغيرات" سياسية كثيرة، عن احتمال عودة "البعث" انتخابياً لحكم هذا البلد العربي، بعد خمسة عشر عاماً من إسقاطه في عام 2003، والواضح أن المقصود هو عودة "السُّنّة"، كما قال السفير الأميركي في بغداد دوغلاس سيليمان، الذين تم تهميشهم "مذهبياً" لحساب النفوذ الإيراني، الذي بلغ ذروته خلال كل هذه السنوات الماضية، والذي بات يثير تذمراً معلناً وبأصوات مرتفعة، حتى بين أبناء الطائفة "الشيعية" الكريمة، وخاصة في مناطق الجنوب والفرات الأوسط، حيث ثقل العشائر والقبائل العربية الأصيلة.ربما كان الحديث عن عودة "البعث" انتخابياً مقصوداً به إثارة بعض المخاوف لدى الجهات التي سيطرت على الحكم في العراق، وعلى كل شيء خلال كل هذه الأعوام منذ عام 2003 حتى الآن، ومنع العرب "السُّنة" من أخْذ موقعهم الذي يستحقونه بحكم وجودهم العددي، إذ إنه غير صحيح، على الإطلاق، أن نسبتهم في بلاد الرافدين لا تزيد على عشرين في المئة من السكان، وهذا وفقاً لإحصاءات بول بريمر وتقديره، وهي تقديرات أيدها "الكرد"، وها هم يدفعون الآن، للأسف، ثمن ذلك الخطأ الفادح الذي ارتكبوه عندما انحازوا في الاتجاه الآخر، الذي كان ولا يزال تحت الوصاية الإيرانية.
كل العراقيين العرب، ومعهم نسبة مرتفعة من مكونات الشعب العراقي الأخرى، ما عادوا يطيقون هذا الوضع الذي بدأ في بلدهم عام 2003، وبقي مستمراً بتصاعد هائل منذ ذلك الحين وحتى الآن، وهذا جعل نسبة عالية من العراقيين -سنة وشيعة وأكراداً وتركماناً وغيرهم- ينظرون إلى المرحلة السابقة ببعض العطف والتعاطف، لا حباً في حزب "البعث" ونظامه، ولكن لأنه كان يوفر لهم (على الأقل) الأمن والأمان، وإنْ بالقوة الزجرية والعصا الغليظة، وكان يقيهم كل هذا الفساد الذي طفح كيله، وسطوة الإيرانيين وأتباعهم وهيمنتهم على كل شيء في بلد من المفترض أنه يطفح عسلاً ولبناً، ولا يوجد فيه أي محتاج أو جائع.والحقيقة أنه غير مستغرب أن يكون هناك من بين العراقيين من "يترحمون" على الوضع السابق، رغم أنهم ربما كانوا من ضحاياه، فالناس عندما يعم الفساد ويكثر النهب والسلب والارتزاق وسطوة "الأجنبي" عليهم؛ يصبحون بحاجة إلى "المستبد العادل"، ولو لفترة محددة، يلتقطون خلالها أنفاسهم، ويقيناً أن الشعب العراقي بأغلبيته بعد معاناة الأعوام الخمسة عشر السابقة لم يعد يكترث بهذه الانتخابات، ولا بهذه "الديمقراطية"، وبات ينشد الخلاص حتى ولو بانقلاب عسكري يعيد له الأمن والأمان، وشيئاً من الاستقرار وبعض المساواة والإنصاف، ويخلصه من قاسم سليماني وكل هذه القيادات المعممة وغير المعممة التي هبطت عليهم بمظلات إيرانية في لحظة تاريخية مريضة.وهكذا، فإن عودة النظام السابق مستبعدة جداً، مع أن بعض الذين ما عادوا يطيقون هذه الأوضاع السائدة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأيضاً طائفياً ومذهبياً، باتوا "يترحمون" عليه. لكن، وبدل هذا فإن كل المؤشرات تدل على أن "تغييراً" معيناً لابد أنه قادم، فالعراقيون وبأكثرية من كل الطوائف والمذاهب والأعراق ما عادوا قادرين على الاستمرار بما هم عليه، والمشكلة هنا أن هناك مخاوف فعلية من أن هذه الانتخابات المقبلة قد تفرز ما هو أسوأ مما قبلها بألف مرة!
أخر كلام
العراق... مخاوف ما قبل الانتخابات!
18-04-2018