ميل الناس إلى تصديق الإشاعة أكثر بدلا من محاولة البحث أو تشغيل خصوصية التفكير أو على الأقل الصبر حتى تأتي معلومة أخرى، أمر يحتاج لدراسة نفسية وأخلاقية للمجتمع بالدرجة الأولى بدلا من التفكير على تغليظ العقوبات التأديبية كحل أول رغم أهمية وجود رادع يوقف من يتعمدون إحداث الضرر بسمعة الناس أو جودة المنتجات أو إثارة الذعر بين الناس باختلاق معلومات مغلوطة.الدراسة النفسية المذكورة أعلاه يجب أن تنطلق– كما أراها– من ركيزتين أساسيتين: الأولى شبق الناس نحو تكرار الوقوع بالحفرة نفسها، الثانية الحماس المتصاعد في تأدية دور المصلح لكل فرد يمكن الوصول إليه، وربما يمكن تفسير الحالة الثانية بوجود نوايا نبيلة لتحذير الآخرين من وجود خطر ما أو حتى الرغبة في كسب المزيد من المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن ما لا يمكن استيعابه هو الإلحاح لتصديق السيناريو نفسه والإخراج لمقطع مفبرك أو صورة قديمة تم تشذبيها لتصبح (كذبة اليوم)!!
إن من يصنع الإشاعة شخص موجود منذ الأزل، أما الجديد فهو اتساع حواضن الترويج وانتقال الإشاعة حتى بعد صدور تكذيب رسمي لها، وأذكر في هذا المجال بكل حزن وأسى الطريقة التي تم فيها تمويت أحد الرجال الأخيار وهو الراحل الدكتور عبدالرحمن السميط، رحمه الله، عدة مرات قبل أن ينتقل إلى جوار ربه، لقد تم تداول تلك الإشاعة كخبر مؤكد، ومن صدقها بدأ بالتغريد واستعراض سيرة الراحل العطرة، وهو لا يزال على فراش الموت، ومر الوقت ولم يعلن شيئاً يؤكد الخبر، وتكرر الأمر نفسه دون مراعاة لمشاعر عائلة الفقيد، ومنهم– كما أتوقع– من هو خارج البلاد أو في حالة صحية لا تتحمل سماع مثل هذا الخبر دون تمهيد.إن الأخبار المفبركة تصنع يوميا العديد من القرارات الخطيرة التي لم تصدر، وتعصف دون هوادة بترتيبات أناس بسطاء قد يتخذون قرارات خاطئة بسبب خبر (منقول)، وهذه الحفرة بالمناسبة وقع فيها نواب ومسؤولون وشخصيات عامة، إن الكثير من وزارات الدولة الخدمية باتت تعاني من رغبات الناس في تصديق أي شيء وانتشار الأخبار المغلوطة بعد نهاية الدوام الرسمي، ورغم توافر المعلومات فإن طبيعة العمل الرسمي لا تستطيع مواكبة سرعة الإشاعة حتى تتأكد كل الجزر المعزولة داخل بعض الوزارات من بعضها قبل أن تنفي الإشاعة.أتمنى أن تشمل الدراسة النفسية المطلوبة حالة الانفصام بين من يدعو إلى وأد الإشاعات "الواتسآبات" الفضائحية في مهدها، وفي الوقت نفسسه يقوم هو بارتكاب الفعل الذي نهى عنه، ولكن عندما تلامس الناس طرف ثوبه أو ثوب أحد أقربائه فالله وحده سيكون في عوننا من حملة الأخلاقيات التي سنغرق فيها، لأن أحد المتناقضين شرب فقط من الكأس التي سقاها للآخرين.
مقالات
الأغلبية الصامتة: عشاق الحفرة
19-04-2018