عاقبة الحب!
الحب نعمة كأي نعمة أخرى من نِعم الحياة، كالجمال، السُلطة، المال، حسن الخُلق، الحُلم، الذكاء، وغيرها كثير، نعمٌ يمنحها القدر أحيانا للبعض دون جهد منهم، ويكتسبها البعض بعد أن يدفع ثمنها سنين من العمر، للحصول مقابلها على دروس عملية في الحياة، للوصول إلى تلك النعم. لكن الأهم في آخر المطاف أن مسؤولية استخدام هذه النعم يتحملها من لديه شيء منها، فالذين يوهموننا بأن حبهم لنا هو الدافع وراء جعل قلوبنا كالزجاج المهشم في طريق جرح حافٍ، أو أن حبهم لنا وراء دوام نداوة العشب تحت جفوننا. أحبابنا هؤلاء مخادعون، إنهم يعلّقون عباءة أعمالهم السوداء على مشجب الحب، كالغني الذي يتهم الثراء سبباً لارتكابه فعل الرشوة، أو كالحاكم الظالم لأن لديه سُلطة مطلقة، أو من ارتكب جريمة قتل لأنه يملك القوة. إن سذاجة التبرير تستوجب الخجل من ادعائه، فالحصول على نعمة ما لا يعفي من عاقبة استخدامها، والحب كذلك. إن سوء التصرف بهذه النعمة له حسابه، واتهامها بذنب لم تقترفه له عاقبته، الحب هو أول سور حماية لمن نحب من شرور أنفسنا، فكيف يكون منطقيا أن يكون الحب حجة من يحبوننا في إيذائنا؟! وكيف يمكن أن يتخذوه سببا لسكب الزيت كلما اتقدت جمرة في قلوبنا؟! كيف يتجرأ أحبابنا على محاولة إقناعنا بأن نصلي شكراً على ما يزرعونه من شوك في حقول صدورنا هدايا مما خصنا به ربيع قلوبهم من الحب؟! بل كيف نتجرأ نحن على الاقتناع بذلك، ونروي ذلك الشوك بماء صلواتنا؟! ونصدق دعواهم، ونؤمن بأنهم الصالحون الذين لا يخلون من بعض الخطايا الصغيرة التي يغفرها صدق توبتهم للمرة المليون، ونشتري أعذارهم بفضة السماح، مستسلمون لقضاء الحب وقدره، بينما يد الحب بريئة من دم القلوب، إنما الحب نعمة يسيء استخدامها المحبون، فالبعض يمارس عقده النفسية باسم الحب، وبعضهم يعتبر الطرف الآخر غنيمة حصل عليها من إحدى غزوات قلبه. سوَّق المحبون الفاسدون كذبة أن حلاوة الحب سبب تلك الندوب في الحناجر، وآمن الضحايا بأنه الحب، وليس أحبابهم، من سرق هدأة نومهم، وسلب منهم إرادتهم، وأفقدهم كرامتهم. جعلوا الحب أعمى، ووجهه مصاب بالجدري، ووصفوه بأسوأ الصفات الأخرى، لينجوا بأعمالهم السيئة التي يقومون بها تحت رايته. أصبح كثير منا يتقدم باتجاه الحب خطوة، ويتراجع عشر، رعباً وافتقادا لإحساس الأمان، وآخرون يهابون دخول جنته، حتى لو صادف ووجدوا بابها موارباً، خيفة أن يفترسهم العفريت الذي لطالما سمعوا أو قرأوا عنه.
حُرم كثير منا نعمة الحب، بسبب فرية كُرّست كحقيقة، فيما الحقيقة هي أن الحب هو من اخترع العذر، ليبتكر نافذة للسماح، حتى لا ينبت جرح ولا تتبارى باستعراض لهبها آهات، وهو أول من ابتكر قانون الوجع بالوجع والبادئ أظلم، ومنذ ذلك الحين والأحباب يتحاشون إيلام من يحبون، لأن عاقبة ذلك الإحساس بذات الألم. فأحبتنا الذين يرتكبون خطاياهم بحقنا باستمرار لا يشعرون بما نشعر به من أذى، ولا يؤلمهم ما يؤلمنا، ما يثير الشك في صدق حبهم، وسلامة عقولنا، والنذير بسوء العاقبة!