من صنع هذه الوحوش بيننا؟!
مرت مسرحية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وشريكيه البريطاني والفرنسي، فيما سمي بعقاب نظام الأسد لاستخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه، مرور الكرام، وكأنها إشارة لمجرم دمشق وشركائه في موسكو وطهران بأن أقصى ما سيقوم به المجتمع الدولي نتيجة جرائمه هو قصف مقرات خالية ومبان مهجورة، بعد فترة إنذار تمتد عدة أيام لإخلاء المعدات والميليشيات وتأمينها في مواقع أخرى.ما علينا، فأنا منذ عام 2013 مقتنع بأن ما يحدث في سورية هو باتفاق دولي لتدميرها وتهجير شعبها وخلق واقع ديموغرافي جديد فيها لاستقرار النظام الأسدي بها وبقائه لأكبر فترة ممكنة، لكن ما لفت نظري في الأزمة الأخيرة تلك الاصطفافات المقيتة بين المسلمين والعرب من طوائف وعرقيات في المنطقة وحول العالم، والمتابع العام لما يدور بين جمهور تلك التقسيمات يلحظ أن الأغلبية تصطف وفقاً لمذهبها أو عرقها، حتى أضحينا كالوحوش التي لا ترحم.معظم الإخوة الشيعة يدافعون عن نظام الأسد مهما كانت بشاعة الصور المنقولة عن القتلى بالأسلحة الكيماوية والبراميل، ويحاولون إقناع أنفسهم ومن حولهم بأنها غير صحيحة، رغم أن مندوب دولة محايدة كالسويد، التي تخالف السياسة الأميركية في التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، يشير إلى صحتها، ويصوت ضد القرارات التي تقدمها روسيا في مجلس الأمن الدولي بشأن القضية السورية.
وفي المقابل معظم السنُة يبررون للفظائع التي كان يقوم بها ما يسمى بتنظيم داعش، من قطع رقاب، وإلقاء البشر من فوق المباني العالية، ويبحث في التراث المسمم ما يدعم ادعاءاته تلك، والعلوي السوري يبقر البطون، ويدعس الجثث بحذائه العسكري، ويهجر أصحاب الأرض، كما فعل الصهيوني من قبله في أهل فلسطين، والكردي يعتدي على قرى جيرانه العرب ويستولي عليها.من أشعل هذا الغل والحقد والوحشية في قلوبنا خلال الثلاثين سنة الماضية، رغم وجودنا لقرون جيراناً وأهلاً وأنسباء؟ هل هي قسوة أنظمة حكمنا... أم مناهجنا... أم ماذا؟.... من خلق ذلك الوحش المسمى بشار الأسد وأعوانه وقبله صدام حسين وزبانيته...؟ وأمثاله كثر... وميليشيات الحقد الطائفي في العراق ولبنان واليمن وأفغانستان؟مَن أراد أن يحطم مشروع الإقليم العربي، الذي تنصهر فيه كل الطوائف والعرقيات، لمصلحة مشروع الدين السياسي لم يكن يعلم أنه يوقظ وحشاً نائماً سيدمر الأخضر واليابس، ومن قالوا من قبلنا، وقلنا من بعدهم أيضاً إن مواجهة مشروع إيران – الخميني التوسعي بإحياء الأصولية السنية سينتهي بحرب سنية - شيعية ينتظرها الغرب وإسرائيل على أحر من الجمر، ولم يستمع أحد لذلك، ووقعت تلك الحرب التي يدفع السُنة ثمنها قتلاً وتهجيراً ومذابح غير مسبوقة.أوروبا الحديثة لم تتحمل فترة وجيزة من صراع ديني في البلقان، وتدخلت لتنهي الصراع في البوسنة وكوسوفو، ونحن تدور من حولنا المذابح منذ أكثر من سبع سنوات ولا نستطيع أن نفعل شيئاً، بل يخرج من بيننا كل يوم مزيد من الوحوش التي تبرر القتل والدمار وتنشئ أجيالاً تتشرب هذه الثقافة والقيم الوحشية... فماذا نحن فاعلون لنعود بشراً نعيش عصرنا، ونوقف رغبات بعضنا المريضة في إقصاء الآخر وتغييبه؟