اتصلت السيدة لولوة الملا بقريبة لي (لا تريد أن أذكر اسمها) تسألها المساهمة في المهرجان الخطابي للجمعية الثقافية النسائية بتاريخ 16 أبريل لمواجهة الهجوم المتزمت الأخير ضد المرأة، والمتمثل في قضايا مثل دق الجرس في البورصة كتعبير عن يوم المساواة للمرأة، وهجوم خطب الجمعة المعلبة بمصانع وزارة الأوقاف ضد السافرات، بما يمثل من إهانة وتحقير لغير المحجبات ومساواتهن مع أوضاع الإلحاد، أو إعلان "حجابي تحلو به حياتي"، الذي تبنته الدولة ممثلة في وزارة الأوقاف، مما يعني إدانة ضمنية لغير المتحجبات، ولم يكن الإعلان يثير مثل هذه الضجة الخاوية لو كان إعلاناً خاصاً لجمعية أو فرد ما، ولم يكن متبنى من قبل السلطة التي يفترض بها الحياد المطلق في مثل تلك القضايا، فليس من شأن السلطة أن تحشر نفسها في مسائل التربية وخصوصيات الناس، وتقوم بدور الأب المتزمت المستبد مع أهله، أو تمارس دور ملا مصلح، الذي يحمل الخيزرانة ويهدد بها الطلبة المشاغبين في كتاتيب الأمس.تستغرب قريبتي من الحال التي وصلنا إليها اليوم، وتقول إنها مع مجموعة من الفتيات ذلك الوقت في عام 1955 (كما ترجح) قمن برمي "العبي" (العباءات) على الأرض في المدرسة القبلية، وجرت محاولة حرق "البوشيات" (هذا لم يحدث)، وعرفت تلك الحادثة فيما بعد بأنها سنة "حرق العبي"، فكيف بعد ستين عاماً وقد أصبح معظم الفتيات "المشاغبات" ذلك الوقت أمهات وجدات نصل الآن إلى هذا الحال؟! وتصبح معركة الحجاب والسفور من قضايا اليوم المزعجة، وتستقطب وجدان وهموم عدد كبير من المواطنين الذين وقفوا يهللون لإعلان الأوقاف، ويذكرون المختلفين معهم بأن الكويت دولة إسلامية، كما يقول دستورها، وأن الشريعة مصدر من مصادر التشريع، ثم يضعون موازين الاختلاف بين الحرية، كما يحددون معاييرها مسبقاً حسب ثقافتهم المتزمتة والانفلات، وهكذا حشروا المختلفين معهم بالرأي بزاوية نصوص الدستور، الذي لا يذكرون منه غير المادة الثانية، ويتناسون مواد أخرى مثل حرية الاعتقاد والحرية الشخصية (المواد 30 و35)! لكن، في كل الأحوال، من يكترث اليوم لهذا الدستور، فقد أصبحت مواده كلاماً إنشائياً ليس لها ظل من الحقيقة الممارسة، أمام واقع قوانين وممارسات لا دستورية من السلطة ودوائرها المتزلفة وجمهور عريض مغيب وعيه السياسي - الاجتماعي بمفهوم الحرية والحق الشخصي.
بعد ستين عاماً، من حقنا أن نتحسر بمرارة ونستولوجيا على الزمن الماضي، ليس لأن مجموعة من الفتيات رمين "العبي" على الأرض في حركة رمزية تعني رفض أي وصاية اجتماعية أبوية على النساء، ولكن لأن تلك الحركة برمزيتها وبساطتها مارست مشاغبة جريئة وخروجاً على قوالب الأصول والقواعد الاجتماعية التي يريد دعاة الأمس واليوم صب وتحنيط فكرنا وحياتنا الاجتماعية فيها، وتثبيتها كقوانين مطلقة وثوابت عامة كقوانين الطبيعة التي لا تتغير.نتحسر اليوم على حال ضياع البوصلة وغياب الرؤية عند السلطة الحاكمة، عندما تدخل في مزايدات سياسية مع قوى التزمت الرجعية، وتسخر لها منابرها بقصد إلهاء الناس عن واقعهم الجامد سياسياً وتسطيح وعيهم، وتكسب بالتالي شرعية قبول ورضا الجمهور، بعد أن تآكلت شرعية تمثيل الأمة في المجالس النيابية الصورية أو المختطفة من قبل حفنة من أصحاب المال والنفوذ الدائرين بفلك السلطة الواحدة.تحية لمشاغبات الأمس، وتحية لكل مشاغب معترض على نواميس السلطة وأعرافها، أياً كانت هذه السلطة سياسية أو اجتماعية، فالقطيع، في النهاية، يسير إلى مسالخ الموت.
أخر كلام
قبل ستين عاماً
19-04-2018