بلير فخور بالقضاء على صدام!
الشعب البريطاني من أكثر الشعوب التي تبادر بالتظاهر ضد الحروب منذ عقود طويلة، ولولا ذلك لما حصلت كثير من البلدان على استقلالها، بما فيها الهند، التي كانت تُلقب بـ"درة التاج البريطاني". وفي ستينيات القرن الماضي أقام الفيلسوف البريطاني برتراند راسل محكمة دولية ضمَّت الكثير من المؤسسات المحبة للسلام، لمحاكمة الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت تشن حرباً على فيتنام.بل حتى القضية الفلسطينية أصبح الشارع البريطاني ينظم لها أكبر التظاهرات المساندة للشعب الفلسطيني في مواجهته للجرائم الصهيونية.***
• أمام هذا التاريخ عكفت على قراءة مذكرات توني بلير، وهو كتاب ضخم يتكون من 932 صفحة من القطع الكبير، وقد احتوى على تاريخ هذا السياسي الذي لم يعد يحظى بشعبية عند البريطانيين، بسبب انسياقه مع المساهمات الحربية التي قادتها أميركا بالمنطقة عندما كان رئيساً لوزراء بريطانيا، وتحديداً دوره بالعراق في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وقد شُنَّت عليه العديد من الحملات، ونجده في هذه المذكرات يرد على كل منتقديه في الصفحة 515: "إنني لا أستطيع أن أبدي أسفي على اتخاذ قرار الحرب، وذلك للسبب الذي سأذكره: إنني لم أتمكن قط من توقع الكابوس الذي نتج عن الحرب، وهو جزء من تلك المسؤولية، لكن مفهوم (المسؤولية) لا يشير إلى عبء مضى، بل يشير إلى عبء مستمر. يمكن أن يبدو الأسف (الندم) مرتبطاً بالماضي، لكن المسؤولية تملك صفتها الحاضرة والمستقبلية".• ثم يسترسل بسرد وقائع الأحداث التي أدت إلى سقوط حكم صدام... إلا أنه يضيف:"تركت منصبي وانشغلت بلعب دور مختلف كلياً، ولكني مازلت منشغلاً بذلك الصراع ذاته، والذي تسبب في كل تلك الأحداث التي سأصفها: إنني أنطق بالصدق عندما أقول إني أفكر في العراق، وأفغانستان، وما يجري فيهما، وفي الضحايا التي تسقط فيهما كل يوم، لكن هناك أكثر من ذلك، لأنني أستخدم ذلك التفكير من أجل إعادة الالتزام بمفهوم غاية في قضية أكبر، وهي مهمة لم تنتهِ بعد. أعرف أن الذين ماتوا لا يمكنني إعادتهم إلى الحياة مهما أبديت من تعابير الأسف، لكني أستطيع تخصيص قسم كبير من حياتي من أجل ذلك الصراع الأوسع، وفي محاولة إكسابه معنى وغاية وعزماً من أجل إبقاء مسؤوليتي على ما هي عليه من نشاط".• وفي مذكرات توني بلير ما يشبه الاعتراف بجسامة الحرب، حيث جاء في الصفحة 715:"تميزت الفترة التي أعقبت الإطاحة بصدام عن الحكم في مايو 2003 بأنها دموية، تدميرية، وفوضوية، وكانت مهمتي إقناع القارئ بصوابية هذه القضية، وهي قضية تتطلب انفتاحاً ذهنياً، وفكرت كثيراً في الماضي، ما إذا كنت على خطأ، لكني لم أطلب من القارئ أن يفكر معي الآن فيما إذا كنت على صواب".• ما خلص إليه بلير في مذكراته، أنه إذا كان تشرشل قد دخل التاريخ لأنه قضى على أحلام هتلر، فإنه دخل التاريخ لمساهمته في القضاء على أحلام صدام!