أميركا وحقوق الإنسان
أصدرت وزارة الخارجية الأميركية قبل يومين تقريرها السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم. ويغطي التقرير حالة حقوق الإنسان في أغلب دول العالم تقريباً، وهو بهذه الحالة يصبح أكثر التقارير السنوية الشاملة ذات البعد العالمي. فهناك تقارير تتناول مناطق بعينها أو قضايا بعينها ولا تصدر بشكل دوري، سواء عبر منظمات أممية أو منظمات دولية غير حكومية أو شبه حكومية أو حتى حكومية.وللتقرير إشكاليات كثيرة ومتعددة، وبالذات كونه صادراً عن الحكومة الأميركية المتهمة حقاً، أو مبالغة بانتهاكات كثيرة ومتنوعة، سواء داخل حدودها أو خارجها، ويأتي معتقل غوانتانامو أحد النماذج الصارخة في هذا المجال.كما تشمل تلك الاتهامات مساعدة أميركا أو مشاركتها في الحروب المتعددة حول العالم، والتي يذهب نتيجة لها، عادة، أبرياء مدنيون زادت أعدادهم على مئات الآلاف، وتحركت جهات عدة لرفع دعاوى جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب ضد العديد من الرؤساء الأميركيين السابقين.
التقرير السنوي حول حقوق الإنسان صدر أيام الرئيس جيمي كارتر، المعروف بتوجهاته الإنسانية، وحينها توجس المتشددون في النظام السياسي الأميركي من مثل ذلك التقرير، وما سيسببه من حرج للتوجهات الخارجية للنظام الأميركي، متهمين كارتر بالضعف والغفلة. عندما صدر التقرير كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مستعرة مشتعلة، وكان من معطياتها أن الطرفين؛ الأميركان والسوفيات، يدعمان أسوأ الأنظمة بطشاً وقمعاً مادامت ملتزمة بالخط السياسي لأحد المعسكرين. وانتهت الحرب الباردة وتساقطت دول قمعية، وهبت رياح الديمقراطية، أو ما يبدو أنه ديمقراطية على أكثر من ٧٠ دولة في كل أصقاع الدنيا، كما تفكك الاتحاد السوفياتي، وخرجت من تحت عباءته ١٥ دولة جديدة.انتهت الحرب الباردة ولم ينته القمع، وتم استبدال الدب السوفياتي بعمامة الإرهاب، ربما لكي تستقيم أمور ثنائية الخصومة، ووجود عدو لنقاتله، صنعته الولايات المتحدة، ومعه صنعت معتقل غوانتانامو. وتظل المشكلة مع "الحرب الكونية على الإرهاب" أنها حرب لا نهاية لها، وليس فيها عدو واضح.تصدر الولايات المتحدة حوالي خمسة تقارير مختلفة ذات اختصاص شامل، كالتقرير السنوي أو تقارير متخصصة، مثل تقرير الحريات الدينية وتقرير الاتجار بالبشر، وهو من التقارير الجيدة منهجاً ومعلومة. بطبيعة الحال هناك إشكاليات سياسية في تناول بعض الدول، ومجاملات لدول أخرى والسكوت عن بعض الممارسات. أما الإشكالية الأشد وطأة فتكمن في استخدام تلك التقارير سياسياً للضغط على هذه الدولة أو تلك، وبالذات أن بعض التقارير، ليس منها تقرير حقوق الإنسان، تتضمن آليات كمنع المساعدات أو فرض تضييق اقتصادي.الأهم هنا هو أن تلتزم الولايات المتحدة بسلوك قويم في احترام حقوق الإنسان، وحينها تصبح تقاريرها مؤثرة قولاً وفعلاً. أما متى سيحدث ذلك، فالمسألة متروكة للخيال العلمي.