عبّر ترامب بصفته مرشحاً مبتدئاً لمنصب رفيع عن أفكاره بشأن الحرب بوضوح مذهل، فقد شدد على أن المقاربة الذكية تقوم على استعمال القوة القصوى للفوز بسرعة، وإذا لم يتحقق النصر، فعليك إذاً أن تقلل من خسائرك وتخرج، فآخر ما ترغب فيه هو أن تغرق في صراعات مسلحة طويلة، مستنفِدة، وغير محسومة.لكن ترامب أخفق في تطبيق مقاربته هذه منذ تسلمه سدة الرئاسة، وإذا أردنا أدلة إضافية على ذلك، يكفي أن نتأمل تأرجح السياسة التي تتبعها الإدارة الأميركية أخيراً في الشأن السوري.
خلال مؤتمر صحافي في وقت سابق أعلن ترامب بشكل حاسم: "أريد الخروج (من سورية). أرغب في إعادة الجنود إلى الوطن"، ثم أشار ترامب في تعليق مرتجل بالتأكيد إلى أن كلفة مشروع عسكري أميركي أكبر، لا تشكّل فيه سورية سوى جزء صغير جداً، بلغت سبعة تريليونات دولار، ومع أن هذا التعليق صدر عن رئيس قلما يلتزم بالوقائع، يشكّل تقديراً دقيقاً نسبياً. انتقل ترامب بعد ذلك من الكلفة إلى النتيجة وقال متعجباً: "سبعة تريليونات دولار في غضون 17 سنة"، و"لم نحقق أي هدف مطلقاً سوى الموت والدمار، هذا مريع".لكن اقتراح ترامب الانسحاب من سورية أثار حالة رفض فورية، فسارع السيناتور ليندسي غراهام من كارولاينا الجنوبية، وهو أحد أنصار ترامب الأوفياء، إلى التنديد بهذه الفكرة، معتبراً إياها "أسوأ قرار قد يتخذه الرئيس"، وعكست كلمات غراهام وجهات نظر مؤسسة السياسة الخارجية برمتها، فمن غير المقبول إعادة الجنود إلى الوطن من سورية أو من أي دولة أخرى في هذا الصدد.كما لو أن الأسد أراد تأييد رأي غراهام، تحرّك بسرعة ليحول دون أي خروج أميركي محتمل، فبعد أيام فقط من إعلان ترامب نيته ترك سورية لتصبح مشكلة شخص آخر، نفذت قوات الأسد اعتداء وحشياً مستخدمةً أسلحة كيماوية قتلت عشرات المدنيين في مدينة دوما السورية.في الولايات المتحدة علت في الحال الأصوات المطالبة بمعاقبة الأسد على تصرفه المريع هذا، ويبدو أن ترامب نسي تصميمه على إخراج الولايات المتحدة من سورية، فانضم إلى هذه الأصوات، محذراً في تغريدة كلاسيكية أن الصواريخ الأميركية "المميزة والجميلة والذكية" ستطير قريباً نحو أهدافها في سورية.لفترة وجيزة جداً تمحور السؤال السياسي الأبرز حول ما إذا كانت الولايات المتحدة توشك أن تنهي حربها التي كلفتها سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط مع اعتبار الانسحاب من سورية الخطوة الأولى، لكن هذا الاحتمال اختفى في طرفة عين.في الواقع ألغت الحاجة المفترضة إلى المزيد من العمل العسكري ميل ترامب إلى تقييم ما حققته تريليونات الدولارات المنفقة سابقاً، وهكذا انتقلت إدارة السياسة الأميركية من يد الرئيس إلى وزارة الدفاع الأميركية، فبما أن الرد اعتُبر حينذاك إلزامياً، ظل توقيت الهجوم الأميركي ونطاقه وحدهما موضوع النقاش.في هذا المجال عرف وزير الدفاع جيمس ماتيس، جنرال سابق بأربع نجوم، ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، جنرال أيضاً بأربع نجوم، ما أراداه بالتحديد: عمل عسكري يكون كافياً لإرضاء المطالبين بقيام الولايات المتحدة "بأمر ما" ويحد في الوقت عينه من خطر أن يؤدي هذا "الأمر" إلى عواقب غير مرجوة، لم يملك هذان الجنرالان أي فكرة عن كيفية الفوز، إلا أنهما عارضَا بشد الخروج.كما هي الحال غالباً مع هذا الرئيس، حصل الجنرالان على مبتغاهما، وبمشاركة رمزية من القوات الفرنسية والبريطانية، أرسلت السفن الحربية وراميات القنابل الطويلة المدى الأميركية بضعة عشرات من الصواريخ، مستهدفةً ما مجموعه ثلاثة أهداف سورية، لكن نية الهجوم كانت في الواقع إثبات موقف من دون إحداث أي تغيير.بالاستناد إلى هذه المعايير علينا أن نعتبر هذا الهجوم ناجحاً، فلم يضيّع ترامب أي وقت، بل سارع إلى إعلان: "أُنجزت المهمة!"، وإذا كان هدف هذه المهمة ضمان استمرار تورط الولايات المتحدة في حرب لا نهاية لها، يمكننا القول هذه المرة على الأقل إن الرئيس صدقَ.* أندرو باسيفيتش* «بوسطن غلوب»
مقالات
ترامب أعلن «إنجاز مهمة» الهجمات على سورية... مهمة مَن؟
25-04-2018