دروس فلبينية!
نتمنى أن نرى مثل هذه الفزعة الوطنية والرأي العام الموجه ضد بعض ملفات الفساد واصطياد كبار المفسدين الذين يمارسون أسلوب الاستفزاز نفسه لمشاعر الكويتيين بعد أن أوصلوا مختلف مؤشرات ومدركات الشفافية والتنمية والخدمات العامة إلى القاع، وبعد أن أزكمت قصص النهب والهدر كل الأنوف.
كشفت أزمة السفارة الفلبينية حقيقة مهمة وذات دلالات نتمنى أن يستثمرها الشعب الكويتي في محطات ومواقف مصيرية مستقبلاً، فبعد إصرار متواصل ومتصاعد اضطرت الحكومة إلى الاستجابة للمطلب الشعبي بضرورة إبعاد السفير الفلبيني على الرغم من عمق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتاريخها الطويل والمصالح المتبادلة بين الكويت والفلبين، وقد نكون الطرف الخاسر فيها لحاجتنا إلى عمالة باتت تشكل عصب بعض جوانب الحياة العامة أو الخاصة للمواطن العادي كالتمريض والفنيين والمطاعم والخدمة المنزلية، فخسارتها قد تلحق بنا ضررا كبيرا على الأقل نفسياً واجتماعياً.لكن الرأي العام الكويتي لم يكترث لمثل هذه التبعات أو على الأقل لم يشعر بها في حينه بسبب الفزعة الوطنية والإحساس بالإهانة بعد سلسلة التصريحات الاستفزازية التي انتهت بتحدٍّ صارخ عبر نشر مقطع مصور لأشخاص من الجنسية الفلبينية يقومون بتهريب بعض الخدم من بيوت كفلائهم في وضح النهار.
وسواءً كانت هذه الحركة مفبركة أو حقيقية، وبغض النظر عن الطرف الذي يتحمل مسؤولية الخطأ، ومع حق الحكومة الفلبينية في الدفاع عن رعاياها وصون حقوقهم الإنسانية والمدنية في إطار القانون والقواعد الدبلوماسية، ومع احترامنا لجميع البشر وتحملنا أمانة معاملتهم بالحسنى، وهم في ضيافتنا وفي عقر دارنا، كواجب وطني وديني وأخلاقي، إلا أن الضغط الشعبي قد أتى بثماره في الانتصار لسيادة بلده دون أن يعير اهتماماً حتى لما أشيع عن تراخي الحكومة في اتخاذ موقف حازم بسبب منافع شخصية لبعض المسؤولين في الفلبين.أهم نتيجة في هذه الأزمة تتمثل بقوة الإرادة الشعبية متى ما أرادت، وقدرتها على فرض قرارها على الحكومة وأصحاب القرار مهما كان نفوذهم، كما تعبّر عن درجة التفاعل وعدم صعوبة خلق رأي عام قوي ومتحرك في اتجاه تصاعدي حتى النهاية.نتمنى أن نرى مثل هذه الفزعة الوطنية والرأي العام الموجه ضد بعض ملفات الفساد واصطياد كبار المفسدين الذين يمارسون أسلوب الاستفزاز نفسه لمشاعر الكويتيين بعد أن أوصلوا مختلف مؤشرات ومدركات الشفافية والتنمية والخدمات العامة إلى القاع، وبعد أن أزكمت قصص النهب والهدر كل الأنوف، ووصلت حالة تحدي كرامة الناس وسمعة البلد إلى معدلات فاقت كل درجات الحياء.أليست هذه المآسي صورة مؤكدة لضرب سيادة الدولة، وسلب ثروة البلد من كل بيت كويتي في وضح النهار أيضاً؟ ألا تستحق مواجهة الفساد ورموزه إصرار الكويتيين، وبروح تصاعدية وضاغطة، على أن يقف الجميع صفاً واحداً في وجهه حتى النهاية؟ والأهم أليس للكويت بوجودها كله حق علينا أن نفزع لها بقدر فزعتنا لتهريب وافدة من منزل مخدومها؟!