«المحاسبة» المطلوبة!
كان يجب فتح ملف الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل، منذ اغتيال أول وسيط دولي في القضية الفلسطينية الكونت فولك برنادوت، وحتى اغتيال الشاب الفلسطيني (العالم) فادي البطش في ماليزيا، فهذه الدولة ذات تاريخ أسود في هذا المجال، وما ارتكبته على مدى سبعين عاماً ضد الفلسطينيين والعرب وغيرهم يستدعي أن تفتح الهيئات الدولية المعنية بهذه الأمور هذا الملف، وأن تحاسب الدولة الإسرائيلية كدولة، لأنها هي المسؤولة عن ارتكاب كل هذه الجرائم، مع أنها عضو في الأمم المتحدة وشريك في معظم الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وبهذه المسألة.لا يمكن حصر أعداد ولا أسماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل على مدى سنوات هذا الصراع الطويل، ومن بينهم قادة كبار، منهم ياسر عرفات (أبوعمار)، الذي بات معروفاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون هو من رتب عملية اغتياله، ومنهم خليل الوزير (أبوجهاد) وصلاح خلف (أبو إياد) وأبوحسن سلامة وعاطف بسيسو، وغيرهم كثيرون، بعضهم كتاب وفنانون مبدعون مثل وائل زعيتر وغسان كنفاني وناجي العلي وكمال ناصر وماجد أبو شرار... والحقيقة أنها سلسلة طويلة!
والغريب أنه عندما يُتهم الفلسطينيون باغتيال ضابط في "الموساد" الإسرائيلي، فإن الدنيا تقوم ولا تقعد. كل هذا في حين أن دولاً معنية، على معرفة من خلال تحقيقاتها بمن وراء اغتيال ياسر عرفات، ترفض الإفصاح عما احتوته ملفاتها المتعلقة بهذه المسألة الخطيرة، كما لا تزال دول أخرى ترفض الإفصاح عمَّن اغتال وائل زعيتر أو ماجد أبو شرار، هذا باستثناء أن الـ "صنداي تايمز" البريطانية كانت كشفت النقاب عن أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، التي كانت تحمل رتبة ضابط في "الموساد" الإسرائيلي، شاركت في اغتيال عدد من الفلسطينيين، من بينهم مأمون مريش العضو البارز في منظمة التحرير الذي اغتيل في أثينا عام 1983.ونسبت هذه الصحيفة إلى رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق أهارون ياريف أن الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل طالت عدداً من القادة الفلسطينيين في عواصم عربية وأوروبية متعددة، وأنها تمت بموافقة رئيسة الوزراء غولدا مائير وكبار المسؤولين الإسرائيليين، وهو ذكر أسماء ستة وثلاثين قائداً فلسطينياً تم اغتيالهم؛ إنْ بطرود ملفوفة أو بالرصاص مباشرة، وإنْ بسيارات مفخخة أو في غرف فندقية، في الجزائر ولبنان وتونس والسويد وألمانيا وفرنسا وقبرص وإيطاليا واليونان وبلجيكا... كل هذا ولم يتم اكتشاف أي مرتكب لإحداها باستثناء اغتيال القادة الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في بيروت عام 1974.والآن، الثأر الفعلي والحقيقي هو أن تتشكل هيئة دولية فاعلة من شخصيات عالمية مرموقة، ومن مؤسسات مقتدرة، للضغط على الأمم المتحدة لفتح هذا الملف جدياً، على أساس أن هذه الحرب من أبشع الحروب، وأن عمليات الاغتيال (الإعدام) التي دأبت إسرائيل على القيام بها تتم عشوائياً، ومن دون تحقيقات أو محاكمات، وبالتأكيد فإن هذه العمليات نالت بعض الأبرياء، والحقيقة أن كل الشهداء الفلسطينيين أبرياء.