عقول قاصرة
ذات مرة وجدت أنا وأخواتي مصادفة اثنين من صغار الحمام، وضعتهما أمهما في عش على حافة السقف، وكان أحدهما يفتح فمه بشدة وكأنه يتضور جوعا، وكان العش موشكا على الوقوع؛ مما دفعنا إلى التقاط الصغيرين مع عشهما، فأطعمناهما ووضعناهما قريبا من مكانهما في وضعية آمنة لتفادي السقوط. ورجونا أن تنتبه إليهما الأم عند عودتها بسهولة، لكن ذلك للأسف لم يحدث، فقد عادت الأم وبكت صغيريها وظلت تحوم مثل المجنونة حول المكان دون أن تنتبه إلى مكانهما الجديد على مرأى منا؛ مما دفعنا بعد اليأس إلى إعادتهما إلى مكانهما الأصلي، ونثرنا طعاما بجانبهما، وعندما عادت ووجدت صغيريها احتضنتهما بقوة وأطعمتهما بحنان، ولم تفارقهما طيلة يوم كامل.
جلست أتفكر في هذا الموقف، وكيف أن هذه الحمامة مهما اجتهدت فلن تدرك كيف اختفى صغيراها؟ ومن أخذهما؟ ولماذا أعادهما؟ هكذا نحن البشر مهما تباهينا بعقولنا فسنظل صغارا بشكل ما حتى إن كنا أكبر وأعقل من هذه الحمامة، لكننا مثلها أمام هذا الكون الواسع وأمام خالقنا صغار، لا نعرف لماذا رسمت أقدارنا على ما هي عليه، ولا نعرف الإجابة عن كثير من الأسئلة، بل لا نعرف ما إذا كانت هذه الإجابة تهمنا أم لا، لكننا نعرف أن لنا ربّاً يرعانا، ونعرف أن ثقتنا به هي السبيل إلى السلام النفسي الذي نفوق فيه سائر الكائنات الأخرى، فهي تشترك معنا في غريزة الخوف التي تدفعنا جميعا إلى استمرارية الحياة. إننا بسلامنا النفسي نوجه أنفسنا إلى الوصول إلى الغاية السامية من وجود البشرية، فالملائكة لم تعرف لماذا اختارنا الله على الرغم من تسبيحها وحمدها الدائم لله جل وعلا، ولكننا نعرف، فنحن برهان قدرة الخالق، والشاهد على إعجازه وبديع خلقه، ولو تمسكنا بثقتنا به وبهذه الحقيقة لاستطعنا حل كل المشكلات الإنسانية التي لم يلتفت لها العلم، ولم تعرها التكنولوجيا والتقنيات اهتماما ملحوظا، ولعرفنا أن الإنسان أهم من الآلة، وأهم من أي شيء آخر مهما أذهلنا، لأننا بإدراكنا له فقط نجعله مبهرا وذا قيمة، ومتى انتهى الإنسان أصبحت كل الأشياء بلا قيمة مهما عظم شأنها.