مع استمرا ر حدة النزاع في سورية يوجد جدل متزايد في ألمانيا حول إمكانية ترحيل طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم في ذلك البلد وإعادتهم إلى وطنهم الذي مزقته الحرب.

وتجدر الإشارة الى أن السلطات الألمانية قامت في العشرين من فبراير الماضي باعتقال 14 من الرعايا الأفغان من أجل ترحيلهم الى بلادهم، وذلك على الرغم من موجة احتجاجات ووجود خطر حقيقي يتوقع أن يواجهونه عند عودتهم، وقد أصبحت عملية الإبعاد القسرية لطالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم قضية بارزة في الانتخابات الألمانية التي جرت في شهر سبتمبر الماضي، ويرجع ذلك في جزء منه الى التأثير السياسي المتزايد لحزب البديل في ألمانيا الذي يمثل أقصى اليمين، كما أن حزب مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل المسيحي الديمقراطي المتحد عمد الى تبني سياسة أكثر شدة إزاء قضية الهجرة، واحتفل بقرار أصدرته وزارة الخارجية الألمانية في شهر أغسطس من عام 2017 يقضي بتعزيز عملية الإبعاد.

Ad

وفي حقيقة الأمر، وبعد أن أصبح حزب البديل الألماني الآن أكبر أحزاب المعارضة في ذلك البلد، فإن عمليات الترحيل هذه قد تتوسع بحيث تستهدف المواطنين السوريين أيضاً: ومن بين الـ890000 من طالبي اللجوء الذين وصلوا الى ألمانيا في سنة 2015 كانت الأكثرية من سورية، كما أن السوريين أصبحوا رمزاً للجدل المتعلق باللاجئين بصورة تامة.

وبحسب المكتب الفدرالي للهجرة واللاجئين في برلين تلقت ألمانيا 467331 طلباً للجوء من رعايا سوريين منذ عام 2015 وتم منح 301201 منهم حق اللجوء.

وعلى أي حال، ومع تغير المزاج في ألمانيا بدأ ذلك البلد بعرض حماية مساعدة، وهو وضع مؤقت لا يتمتع فيه طالب اللجوء بأهلية لحماية لجوء كاملة، ولكن لا يمكن ترحيله على الفور الى بلده، ويتلقى أولئك الذين تم منحهم حماية مساعدة إذاً إقامة يتعين أن يتم تجديده كل سنة، وفي سنة 2015، حصل 61 من المواطنين السوريين فقط على حماية مساعدة، وفي عام 2016 قفز الرقم إلى 121562، وتجدر الإشارة الى أن 300 فقط من طالبي اللجوء السوريين تم رفض منحهم الحماية بصورة تامة كما تم تأجيل الترحيل حتى هذه السنة.

وقبل اتخاذ أي خطوة أخرى إزاء ترحيل طالبي اللجوء السوريين يتعين على الحكومة الألمانية بشكل شبه مؤكد التأكيد على أن من سيتم ترحيلهم من تلك الجنسية– سواء على شكل أفراد أو مجموعات– قد تم رفض طلبات لجوئهم لأنهم ليسوا بشكل شخصي عرضة للخطر في بلادهم، وقد تصدرت أنباء مجموعة من مشرعي حزب البديل وسائل الاعلام في وقت سابق من هذا الشهر بعد أن سافرت الى سورية من أجل إثبات أن تلك الدولة كانت آمنة بما فيه الكفاية لإعادة طالبي اللجوء.

سورية ليست آمنة

ومن الأهمية بمكان أن نفهم أن تلك ليست حقيقة الحال، وأن هذه الشريحة من الرعايا السوريين– وخصوصا الرجال– عرضة لخطر حقيقي عند عودتهم بسبب استمرار العمليات العسكرية بين القوات الحكومية ومسلحي المعارضة وحجم الدمار الهائل الذي تعرض له ذلك البلد، وتجدر الإشارة الى تراجع مستوى العمليات الحربية في معظم المناطق في سورية، لكنها تزداد حدة وقسوة في المناطق الباقية الخاضعة لسيطرة المسلحين.

وحتى إذا توقف القصف العنيف والمكثف هناك خلال العام أو العامين المقبلين حسب ما هو مخطط له في الوقت الراهن فإن إعادة بناء البنية التحتية الأساسية في سورية ستتطلب وقتاً أطول، ناهيك عن الزمن اللازم من أجل تأمين متطلبات التعليم والدراسة وتوفير فرص العمل وإعادة الإعمار. وإضافة الى ذلك فإن الرجال السوريين الذين هربوا من بلادهم لتفادي خضوعهم للخدمة العسكرية سيواجهون الخطر ما دام نظام الحكم الحالي مستمراً، وقد فضل هؤلاء الرجال مغادرة سورية بدلاً من إطلاق النار على مواطنيهم، وبذلك أصبحوا في ورطة الآن، وخصوصا مع توجيه رجال السياسة من جناح اليمين في أوروبا اللوم للشبان من طالبي اللجوء بسبب الجرائم التي تحدث في القارة، وازدياد معدلات العنف فيها، وبعد أن غادروا بلادهم على أي حال فإنهم لن يتمكنوا من العودة اليها.

مخيمات اللاجئين

يقول الشبان في مخيمات اللاجئين في لبنان وتركيا والملاجئ في ألمانيا الذين تتراوح أعمارهم بين الـ18 و34 سنة إنهم يخشون التعرض إلى الاعتقال إذا قرروا العودة إلى بلادهم. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الرعايا الأفغان الذين تم ترحيلهم حتى الآن كانوا من فئة الرجال، ويعتقد نشطاء أن الرجال السوريين سيكونون أول من يتعرض الى الإبعاد أيضاً، وتقول بليندا بارتوليوشي وهي مستشارة قانونية تعمل مع «برو أسيلم» وهي مجموعة ألمانية لا تهدف الى الربح لدعم اللاجئين وطالبي اللجوء إن «ما نخشاه في المستقبل هو أن تعمد السلطات الألمانية الى استخدام هذه الفكرة من أجل تطبيقها على رعايا دول أخرى».

وقد تقدمت «برو أسيلم» بدعوى قضائية ضد عمليات إبعاد اللاجئين، وذكرت السلطات المعنية بأن لدى طالبي اللجوء مسارات عديدة للتصرف حتى بعد رفض طلبات لجوئهم، وفي حقيقة الأمر فإن تلك الجماعة تقول إن من شبه المستحيل تجاوز كل تلك المسارات والمجالات، وأن تصر السلطات الألمانية على ترحيل طالبي اللجوء السوريين. وعلى سبيل المثال فإن القانون الألماني ينص على أنه لا يمكن إبعاد اللاجئ إذا كان ذلك يعني خطراً مباشراً على سلامته، وفي مطلع شهر يناير الماضي استأنف مواطن تركي قرار إبعاده من ألمانيا قائلاً إنه سيتعرض الى عمليات تعذيب من قبل السلطات التركية في حال عودته الى بلاده، وقد حكمت المحكمة العليا في ألمانيا لمصلحته وقضت بإلغاء قرار ترحيله، ومن شأن ذلك أن يجبر الحكومة الألمانية بشكل فعلي على الحصول على ضمانة من بلد الشخص الذي سيتم ترحيله بأنه لن يتعرض للتعذيب لدى عودته. ويكاد أن يكون في حكم المؤكد أن الحكومة السورية لن تقدم مثل هذه الضمانة بالنسبة الى مواطنيها، ونظراً لأن الرئيس السوري بشار الأسد من المتوقع أن يستمر في الحكم فإن الدول الأوروبية ستضطر الى إثارة هذه القضية على الساحة الدولية إذا أرادت البدء بخفض عدد المرفوضين من الحصول على حق اللجوء الذين يحق لهم البقاء في الاتحاد الأوروبي، وربما يرغب بعض الرعايا السوريين في العودة الى بلادهم طواعية إذا علموا أن في وسعهم القيام بذلك بطريقة آمنة.

بدء المساعدات

وقد يتمثل أحد الخيارات في هذا الصدد عبر ثغرة في قانون الخدمة العسكرية في سورية تنص على السماح للمتهربين من خدمة العلم إذا أمضوا أربع سنوات في الخارج أن يدفعوا غرامة تصل إلى 4000 دولار، وكانت وزارة الداخلية الألمانية حاولت في الآونة الأخيرة إغراء السوريين على العودة الى بلادهم بإرادتهم عن طريق تقديم 1000 يورو للفرد و3000 يورو للعائلة ضمن ما يعرف باسم بدء المساعدة. وإذا أعادت الحكومة الألمانية– أو الدول الأوروبية الأخرى– العمل بهذه الفكرة بغية استهداف حاجة الرجال السوريين الذين هربوا من الخدمة العسكرية فإن الفرص قد تكون واعدة حقاً.

وعلى أي حال فإن السوريين الذين يخشون القمع على يد حكومتهم لا يستطيعون العودة كما لا يمكن إجبارهم على تلك الخطوة أيضاً إذا كانت حياتهم ستتعرض للخطر، ليس لأجلهم بل لأجل القيم التي تقوم عليها ألمانيا العصرية منذ فترة ما بعد الحرب، وأولئك الذين يرغبون بالعودة الى بلادهم في حال ضمان سلامتهم يجب أن يحصلوا على السبل المالية إذا دعت الضرورة، كما يتعين عدم إجبار أولئك الذين لن يحصلوا على السلامة في بلادهم على العودة إليها.

* أنشال فوهرا – برلين بوليسي جورنال