هل تعمل روسيا على رعاية الإرهاب الدولي؟
على الرغم من العقوبات غير المسبوقة التي تعرضت لها روسيا من جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب والكونغرس الأميركي في العام الماضي يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد عقد العزم بقدر أكبر على إلحاق الضرر الخطير بالسلم والاستقرار الدوليين.وتجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب العقوبات المالية المتزايدة التي استهدفت بوتين وعملاءه يبدو أن لدى الإدارة الأميركية سهماً في جعبتها من شأنه إضافة مزيد من الضغوط الدبلوماسية على موسكو: سيتعين على وزارة الخارجية في واشنطن النظر في مسألة إضافة روسيا إلى قائمتها المتعلقة بالدول الراعية للإرهاب إلى جانب حليفتيها المقربتين إيران وسورية.وتعتبر الذريعة الأخلاقية لهذه الخطوة قوية وسليمة، وذلك لأن روسيا سبق أن أقدمت على غزو جارتيها جورجيا وأوكرانيا، كما أنها تدعم نظام الرئيس السوري المتشدد بشار الأسد، إضافة إلى أعداء الولايات المتحدة في أفغانستان، وقد انخرطت في حرب معلومات نشطة ضد الديمقراطيات الغربية، وشمل ذلك تدخلها في انتخابات الرئاسة الأميركية في سنة 2016.
وفي الأسبوع الماضي أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن الكرملين تجاوز خطاً خطيراً عندما أكدت أن نتائج توصلت اليها الحكومة البريطانية تثبت استخدام غاز أعصاب تنتجه روسيا يدعى نوفيتشوك قد استخدم في عملية تسميم عميل الاستخبارات الروسي السابق وابنته في مدينة سالزبري البريطانية، وكانت تلك العملية أسفرت أيضاً عن إصابة قوات أمنية بريطانية إضافة إلى عدد من المارة هناك.
موسكو تنفي الاتهامات
وقد نفت روسيا قيامها بتلك العملية لكن الأدلة دامغة، وكذلك كانت أهميتها: تعتبر موسكو الآن مسؤولة بصورة رسمية عن هجوم بالأسلحة الكيميائية تعرضت له دولة عضو في حلف شمال الأطلسي داخل أراضيها، وهذا انتهاك صارخ لسيادة أقرب حلفائنا، وهو يتطلب ردة فعل جدية من جانب الولايات المتحدة.ويأتي هذا التأكيد المثير للدهشة في أعقاب هجمات مشينة بالأسلحة الكيميائية قامت بها حكومة دمشق ضد السكان، ويستمر وجود ذلك النظام في السلطة لأن روسيا زودته بدعم دبلوماسي وعسكري واقتصادي واسع، وتجدر الإشارة إلى أن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد السكان المدنيين إجراء غير قانوني، يحظره القانون الدولي، وخاصة معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، وفي حقيقة الأمر فإن برنامج الأسلحة الكيميائية الخفي في سورية هو جزء من السبب الذي يفضي الى استمرار الولايات المتحدة في اعتبار سورية دولة راعية للإرهاب.ويوجد دليل أيضاً على أن روسيا تقوم بدور ثنائي بين طرفي النزاع في سورية، فهي تدافع عن حكومة دمشق وتعمل في الوقت نفسه على تقوية التمرد الراديكالي ضد ذلك البلد، وبحسب وسائل إعلام أوكرانية فإن موسكو وفرت دعماً مادياً لتنظيم «داعش» بما في ذلك المساعدة في تجنيد عناصره، وقد أظهرت تلك التقارير الإعلامية وجود الآلاف من المتطرفين الناطقين باللغة الروسية في صفوف ذلك التنظيم.الدور الروسي في أفغانستان
ونحن نعلم أيضاً أن روسيا تعزز دعمها للثورات المعادية للولايات المتحدة في أفغانستان، وفي التاسع من شهر فبراير 2017 أبلغ الجنرال جون نيكولسن، وهو قائد القوات الأميركية في أفغانستان، أبلغ لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ أن روسيا «بدأت بإضفاء الشرعية بشكل علني على حركة طالبان على شكل وسيلة تهدف الى تقويض جهود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هناك».والأكثر من ذلك أن حرب روسيا غير القانونية وغير الأخلاقية ضد أوكرانيا قد أظهرت درجة من الاستمرارية وعدم وجود مؤشر على نهاية لها، ومنذ قيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم في سنة 2014 وما تبع تلك الخطوة من دعم لعملاء روسيا في إقليم دونباس أخفق المجتمع الدولي في الاستجابة بصورة كافية لهذا العدوان الروسي، وقد أفضى ذلك إلى دفع ثمن كبير ومدمر، كما أن أكثر من عشرة آلاف مواطن أوكراني قتلوا في تلك الحرب وأكثر من مليون و700 ألف تعرضوا للتهجير، وفي السابع عشر من شهر يوليو 2014 أسقط عملاء روسيا طائرة ركاب مدنية وقتل في العملية كل ركابها الـ298 بمن فيهم أحد الأميركيين.ولهذا السبب أنا أعتزم تقديم طلب تشريع يدعو وزارة الخارجية الأميركية الى أن تقرر خلال 90 يوماً ما إذا كانت روسيا تلبي المعايير المحددة لكونها دولة راعية للإرهاب، وإذا كان الرد بالإيجاب فإن روسيا ستتعرض الى قيود تتعلق بالمساعدة الخارجية الأميركية إضافة إلى حظر مبيعات أسلحة أميركية والحد من المبيعات الأميركية لمواد معينة يمكن أن تستخدم في أغراض مدنية وعسكرية، وغير ذلك من القيود المالية الأخرى، والكثير من هذه العقوبات مطلوب في الأساس من جانب قانون مكافحة أعداء أميركا، كما أن إدارة الرئيس ترامب تدرس اتخاذ إجراءات أخرى في هذا الصدد.العلاقات الثنائية
وربما يوافق البعض على أن تطبيق مثل هذه العقوبات على دولة كبرى مثل روسيا التي تتمتع بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي لن يدفعها الى التراجع، وقد يلحق هذا الإجراء الضرر بالعلاقات الأميركية– الروسية التي وصلت في الأساس الى مستويات متدنية للغاية، وتلك أسئلة مهمة على صعيد السياسة.وعلى أي حال، فإن من الواضح أن عدم الثقة والتوترات بين واشنطن وموسكو اليوم يكمن بصورة تامة في الكرملين وسلوكه الاستبدادي، ويتعين علينا اتخاذ كل خطوة دبلوماسية ضرورية من أجل حماية حلفائنا وديمقراطيتنا إضافة إلى ردع روسيا التي تبدو عازمة على إعادة كتابة التاريخ، وتهديد أسلوب حياتنا في بلادنا.* سيناتور جمهوري من كولورادو وعضو في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي.